رؤي ومقالات

د.عاطف معتمد يكتب :نواجه أصعب لحظة في تاريخ بلادنا !

بهذه الكلمات خاطب الرئيس الأوكراني زيلنسكي شعب بلاده تعقيبا على ما طرحته الولايات المتحدة أمس من خطة سلام تتنازل بموجبها أوكرانيا عن 20 % من أراضيها (القرم + جنوب شرق البلاد) لتصبح هذه الأراضي جزءا من روسيا، مقابل انسحاب الجيش الروسي من بعض أراضي هامشية صغيرة في منطقة الالتحام المباشر. كما لن يسمح لأوكرانيا في المستقبل بالاستعانة بأي طرف ثالث في المستقبل ولا سيما الناتو.
وكما علق خبراء الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك في المملكة المتحدة أمس فإن “خطة السلام” هي في حقيقتها “خطة استسلام” وأن ما يقدمه ترامب يتسق تماما مع الخطوط الحمراء التي رسمها بوتين طيلة السنوات الماضية.
العرض السخي الذي تقدمه الولايات المتحدة لروسيا بأن تتنازل أوكرانيا عن 20 % من أراضيها هو الذي كتبت عنه على صفحتي هنا قبل عدة أشهر يوم الإطاحة بالنظام السوري السابق ومجئ النظام الجديد.
لا يمكن فصل أوكرانيا عن فلسطين والشرق الأوسط، فمشهد التطور الجيوسياسي لبلادنا هنا في الشرق الأوسط لا ينفصل عن بلادهم هناك في أوكرانيا.
ترامب يعيد نظام اللعبة الكبرى، وأساليب الاستعمار القديم، ويعيد أبجديات الصراع الاستعماري برمته القائم على مبدأ توزيع مصالح ومكاسب وصفقات.
ما أتوقعه ألا تتم هذه الصفقة في أوكرانيا بسهولة في مستقبل قريب.
استسلام أوكرانيا وتسليم 20 % من أراضيها وتحقيق نتيجة نصر حاسمة لروسيا في حربها يعني أن روسيا حققت أهدافها، ومن ثم لها أن تطمئن وتستقر ومن ثم تعود إلى ساحات العالم الأخرى وقد تأتي مثلا لمعاودة التعاون مع إيران أو القوى العربية في المشرق.
خطة الولايات المتحدة منذ “تسليم” أفغانستان لطالبان والانسحاب المفاجئ من هناك قبيل حرب أوكرانيا في 2022 هي توريط روسيا في عقر بيتها الأوروبي وإشغالها مع شقيقتها السابقة أوكرانيا ….بعيدا عن خريطة العالم الأخرى.
وبالتالي، الولايات المتحدة تضحي (بالمعنى الحرفي لكلمة أضحية ودماء ونحر كبش الفداء) بأوكرانيا كي تتفرد وحدها بالمناطق الأخرى المهمة في العالم ولا سيما الشرق الأوسط.
النظام في روسيا في المستقبل لديه مشاكل كبيرة في مرحلة ما بعد بوتين، ولديه مشكلة في الهوية المجتمعية للشعب الروسي ..وهل سيستمر النظام في “البوتينية” أم سيأتي نظام جديد يحدث خلخلة وتغريب ونهج ديموقراطي غربي (الديموقراطية على النمط الغربي هي الفزع الذي تخشاه روسيا ذات النزعة المركزية).
ستأخذ هذه العملية من عروض السلام عدة سنوات، ولن تقدم لروسيا نصرا نهائيا حتى نهاية فترة ترامب الثانية، وقد تمتد المماطلة 7 إلى 10 سنوات أخرى ..سيظل فيها ملف أوكرانيا ساحة لإشغال روسيا وربط أقدامها وأيديها في الجوار القريب ..بعيدا عن أي تأثير على سوريا وإيران ولبنان وفلسطين والسعودية.
من يريد فهم مستقبل الشرق الأوسط ..فليتابع مستقبل الشرق الأوروبي..والشرق الآسيوي !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى