طب ودواء

د.محمود يونس يكتب : الأفانتازيا Aphantasia ( رحلة داخل دماغ يعجز عن تخيّل الصور)

Aphantasia — لغز الخيال الغائب

تخيّل معي للحظة… أو حاول أن تتخيّل.
أغمض عينيك الآن وتصور آخر وجه رأيته.
إن ظهرت أمامك صورة واضحة، فأنت من أصحاب الخيال البصري الطبيعي.
أما إذا حاولت بشدة… ولم يظهر شيء سوى الظلام، فأنت قد تعيش ما يُعرف بـ (الأفانتازيا)— حالة عصبية تجعل العقل غير قادر على تشكيل الصور الذهنية.
لكن الغريب في هذه الحالة أنها لا تُعد مرضًا… بل اختلافًا في طريقة عمل الدماغ، أكثر من كونها مشكلة.
ما هي الأفانتازيا؟
الأفانتازيا هي حالة يفقد فيها الشخص القدرة على “رؤية” الصور في ذهنه، رغم أن كل حواسه الأخرى تعمل بشكل طبيعي.
فعندما يسمع شخصًا يصف غروب الشمس، قد يرى أغلب الناس مشهدًا ملونًا في مخيلتهم… بينما صاحب الأفانتازيا يسمع الفكرة فقط، دون صورة.

هو يستطيع التفكير، التحليل، الإبداع، وتذكّر المعلومات… لكنه يفعل كل ذلك بدون شاشة داخلية.
كيف يكتشف الانسان انه يعاني منها؟
يكتشف الكثيرون حالتهم صدفة، عندما يسمعون الآخرين يتحدثون عن صور واضحة في عقولهم، أو عندما يُطلب منهم تخيّل وجه شخص:
* يغمضون أعينهم.
* يحاولون.
* فلا يظهر شيء.
وقد يلاحظ بعضهم صعوبة في:
* تذكّر الوجوه.
* استرجاع تفاصيل الأماكن.
* تكوين صور أثناء قراءة القصص.
* أو صعوبة الخيال الإبداعي المرئي (مثل الرسم أو ابتكار تصميم).
ومع ذلك… يعيشون حياتهم بشكل طبيعي تمامًا.

هل هي مشكلة أم اختلاف طبيعي؟
هنا يكمن جمال الموضوع.
الأفانتازيا لا ترتبط بانخفاض الذكاء، ولا تؤثر على القدرات الإدراكية الأساسية.
بل العكس: الكثير من المصابين بها يبرعون في مجالات تعتمد على التفكير المجرد والمنطقى، مثل:
* البرمجة
* الرياضيات
* الهندسة
* الكتابة التحليلية
* العلوم
* التخطيط وإدارة المشروعات
بينما يعتمد غيرهم أكثر على الخيال البصري في الرسم، الإبداع الفني، والقصص.
كلاهما طبيعي… فقط دماغان يعملان بطريقتين مختلفتين.
كيف يفسّر العلم هذه الظاهرة؟

يشير الباحثون إلى أن الأفانتازيا تتعلق باختلاف في تواصل مناطق الدماغ المسؤولة عن:
1. التحكم الإرادي في الخيال
2. المسارات البصرية الخلفية
أي أن العين ترى، والذاكرة تخزن… لكن القناة التي تسترجع الصور بشكل إرادي لا تعمل كما في بقية الناس.
وتبدو كأن الدماغ يحتفظ بالصور في “أرشيف” لكنه لا يسمح بفتح الملفات بالأنظار الذهنية.
هل يمكن تطوير الخيال البصري؟
بالنسبة للبعض نعم، وبالنسبة للبعض الآخر تظل الأفانتازيا طبيعة ثابتة.
تشمل الطرق المساعدة:
* تمارين التخيّل التدريجي (نقطة → خط → دائرة → شكل).
* التأمل والـ Mindfulness لتحسين الاستحضار الذهني.
* التدريب على الذاكرة البصرية باستخدام الصور.
* الرسم أو التعامل مع الألوان.
لكن الأهم:
أن هذا ليس خللًا يحتاج إلى علاج… بل مجرد نمط دماغي مختلف يمكن التعايش معه بسهولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى