عيون القلب…بقلم زكية المرموق

أمي لم تكن تعرف سيمون ديبوفوار
ولا نوال السعداوي
كي تطالب بحقوقها على الصحف
والشاشات
كان يكفيها أن تنام وهي تحضننا
كما تحضن دجاجة بيضها
كي تحس أنها مكتملة
وتملك العالم بأكمله
لم تكن تعرف عن السهر
سوى الاستماع إلى الراديو
في المطبخ بين أطباقها
وهو يصدح بصوت الديفا نعيمة سميح
“ياك أجرحي جريت وجاريت”
الصوت الذي يمسح ببحته الساحرة
تعب الأيام وحرائقها
لم تكن تعرف أسماء الشوارع بفاس
ولا أرقام الباصات الحمراء
التي تذكر المدينة بالشهداء
إبان الاستقلال
لكنها كانت تحفظ جيدا
الطريق من البيت بحي عين هارون إلى المدينة العتيقة
كما يعرف أعمى عكازه
حيث تقتني كعادتها من العطارين
السواك والكحل كي تطرد شحوب الوقت والأحلام
وربما لتضيف إلى ألف ليلة من ليالي الأنس
ليلة أخرى بتوقيعها
كانت أيضا تقتني هناك اللثام الأسود المطرز بالألوان
كي تتفرج على العالم مثل ذنب
وجودي
من وراء الستار دون أن يراها
نعود محملات بأكياس النوݣا
لتوزعها بالتساوي على إخوتي
وأيضا بأكياس الورد والغاسول وأعشاب اخرى
لتصنع شامبو منزليا خارقا
يحول الشَّعر الى شِعر
رائحته تأخذك إلى الحقول
فتركض وراء الحياة
كما يركض منجل وراء العشب
أمي لم تثر يوما في وجه أبي
رغم شراسته المتكررة معها
لهذا أورثتني الخوف من الرجال
لم أحاول يوما الدخول إلى غاباتهم
بالجسد وأحمر الشفاه
بل بالكتب والكلمات
والكلمات حدائق
وبنادق
لكن العالم سوق نخاسة كبير
عضني أول ما فتحت الباب للخروج إليه
فهربت كما تهرب الطرائد من الرصاص
وبنيت لي بيتا من قطن في خيالي
أعيش فيه الآن معلقة بين السحاب
مع رجل من جنوب السَواد
له عينان رأسماليتان
وقلب ديمقراطي
حولني إلى قصيدة
نحن الآن زوجان على الفيسبوك
وعلى امتداد النبض أيضاً
رغم أنف القبيلة
أنجبنا عدة قصائد بشهادة ميلاد
رسمية
أيتها القوانين
هل إستمعت يوما إلى أغنية
“عيون القلب,”
والليل يطرق بابك
؟







