كتاب وشعراء

في الغرفة التي خلف وجهي…هيثم الإمين / تونس

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

شاعر وجثّة ومجنون
ورجل عاديّ يكره الطّوابير ويحبّ النّومْ
يستأجرون غرفة خلف وجهي!
وجهي.. كان قصيدة لـ”رامبو” قبل أن تتعرّى من المجازْ
لتمارس رذيلة المشي في خطوط مستقيمة.
يجلس الشّاعرُ.. في خيالهِ
وينتظرْ…
أصابعُهُ خبزُهُ؛ أصابعهُ حزنُهُ/ فرحُهُ
وأصابعُهُ.. صراخُهُ المكتومْ
وكان الضّوء أحمر كحريق…
كراهب تيبيتيّ كانت الجثّة، عند الباب، تمارس “اليوڨا”
وكان البابُ بحدّثُ نفسهُ:
لو أنّي كنتُ خشبة في سفينةٍ…
يتثاءب البابْ
وكان الضّوء أبيض وساطعا.
“زوربا” لم يكن مجنونا.
يصرخُ المجنونُ وهو يتحدّثُ إلى النّافذةِ.
“دون كيشوت” لم يكن مجنونا.
يقول المجنونُ لإله وجده يختبئ تحت السّريرْ…
ويقهقه.
“نيرون”، أيضا، لم يكن مجنونا.
يوشوش المجنون في أُذن كلبه “الكانيش”.
فينبح الكلب.. ويبكي المجنون!
كان الضّوء، ربّما، أخضر أو أصفر.
على سريرِهِ، يستلقي الرّجل العاديْ.
بعينيه، يضع علامة، على السّقف، كلّما تذكّر طابورا عليه ارتياده، في الغدْ.
تحت بنطاله، كانت كفّه ترتّب لسلالة جديدةٍ؛
سلالة من رحم تلك الأنثى التي رفضت أن تقول له:
“صباح الخير”
ولأنّ الضّوء فضيحةٌ
صرخ الرّجل العاديُّ: أطفئوا الضّوءْ.. أريدُ أن أنامْ.
يقول الشّاعرُ:
الضّوء قصيدة جريئةٌ؛
القصائد، أيضا، تموتُ في العتمةِ
والأبجديّة تصير مجرّد فكرة هلاميّة، خارج الضّوءْ!
ترتعش أصابع الشّاعر
ثمّ تنطفئ!
فيسقط الشّاعر من خيالهِ…
العتمة هي البداية/ النّهايةُ
والضّوء خدعةٌ.
وحدهم من يخافون الحقيقة سيشعلون الضّوءْ.
أطفئوا الضّوء.. إنّه يريد أن ينام.
قالت الجثّةُ دون أن تفتح عينيها المغمضتين.
يتدلّى، رأسا على عقب، من السّقف.. المجنونْ!
تضيء رأسه كفانوس عملاقْ
فتعجّ الغرفة بالظّلال!
ظلال يصرخون في حفل صاخب، على الجدار…
ظلال ترقص على الجدار المقابل للجدار!
ظلّ ثمل – يجلس فوق الطّاولة – يبكي
ظلّ ساكن كتمثال يقف على رِجل واحدةٍ
ويحدّق في فراغهِ
وظلّ يطارد ظلّ كلب “الكانيش” الهارب
وظلال تولد كما البكتيريا من ظلال أقدمْ…
فوضى في الغرفة
فيصرخ الرّجل العاديّ: اصمتوا.. أريد أن أنامْ.
الصمتُ مدينة فارغةٌ يجوب شوارعها الشّعراء
فيسقطون من جيوبهم المثقوبة
ولا أحد.. سينحني ليلتقطهمْ…
والصّمتُ وجعٌ آخرٌ حين لا يُكتبُ الوجعُ.
يقول الشّاعر وهو يأكل آخر أصابعهِ.
مدينة “نيويورك” داخل صندوق مغلقٍ: الصّمتْ!
هكذا، أيضا، كان يبدو المجنون
وهو يحاول أن يكتشف لمن كانت تلك الجثّة التي عند الباب…
في الغرفة التي خلف وجهي،
لا شيء غير الصّمتْ
إلّا شخير الرّجل العاديّ الذي مازالت طوابير أحلامه عالقة في كفّه…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock