رؤي ومقالات

د. فيروز الولي تكتب:حين يخاف المجتمع من المرأة… تموت نصف الأمة!

هناك مجتمعات تخاف من الحروب، من الأوبئة، من الانهيار الاقتصادي…
أما بعض مجتمعاتنا، فمصدر رعبها الأول هو:
امرأة تفكر.
نعم، لا صاروخ يخيفهم، ولا عجز في الميزانية، ولا فساد حكومي…
لكن فتاة تكمل ماجستير؟
هنا تبدأ علامات الساعة.
هذه المجتمعات تتعامل مع المرأة كما لو أنها “فيروس اجتماعي” يجب عزله، لا شريكًا في وطن.
تُحاصر باسم الدين مرة، وباسم القبيلة عشر مرات، وباسم الشرف مئة مرة.
ثم يتساءلون بدهشة الدجاجة:
لماذا لا نتطور؟
التحليل النفسي: رجال يبحثون عن رجولتهم في المكان الخطأ
حين يشعر الرجل بأنه سيفقد سلطته إذا نجحت امرأة… فالمشكلة ليست في المرأة.
المشكلة في رجولة منتهية الصلاحية تحتاج تجديدًا مثل جواز السفر.
نظرية “الخوف من المرأة” ليست مزحة، بل مرض موثق.
الرجل الذي لم يتفوق في العلم ولا في الاقتصاد ولا في الإنتاج، يبحث عن إنجاز بديل…
فيجد أن أسهل إنجاز هو: قمع امرأة.
إنه انتصار مجاني… مثل مباراة يلعب فيها فريق مع فريق لا يُسمح له بالمشاركة.
التحليل الاجتماعي: مجتمع يمشي على قدم واحدة ثم يلعن القدر!
المجتمع الذي يقصي النساء يشبه سيارة تسير بإطارين فقط…
وتسأل صاحبها:
“لماذا السيارة تهتز؟”
فيجيبك بثقة الغبي:
“هذا قدر!”
تونس حين فتحت الأبواب للنساء… ارتفعت المشاركة الاجتماعية.
الإمارات حين أعطت المرأة مكانًا في مجلس الوزراء… ارتفع الأداء الحكومي.
دول العالم حين أعطت النساء الحرية… زادت التنمية.
أما البعض في عالمنا العربي…
فيظنون أن المرأة إذا تعلمت وانطلقت… سينهار السقف.
يا سادة، السقف ينهار من الفساد… لا من النساء.
التحليل الثقافي: ثقافة ترى المرأة “خطرًا” وترى الجهل قدرًا
الثقافة الذكورية لا تعترف بالمنطق، بل بالخرافة:
– “المرأة ناقصة عقل.”
– “المرأة فتنة.”
– “المرأة تجلب البلاء.”
والسؤال:
هل اليابان انهارت لأن المرأة شاركت في التصنيع؟
هل سنغافورة سقطت لأن النساء عملن في المختبرات؟
هل ألمانيا خسرت مكانتها لأن نساءها قُدن وزارات الدفاع والخارجية؟
لا.
الذين سقطوا هم من صدقوا أن المرأة خطر… بينما الجهل عندهم يمشي في الشارع بلا رقيب.
التحليل الاقتصادي: الخسائر أكبر من كل الحروب
إقصاء المرأة اقتصاديًا هو أغبى قرار قومي في العالم العربي.
نصف المتعلمين نساء…
لكن المشاركة الاقتصادية في بعض الدول أقل من 15%.
هذا ليس اقتصادًا…
هذا انتحار اقتصادي محترف.
المغرب دعم المشاريع النسائية فارتفعت دخول الأسر.
دول أخرى ما زالت تحرم النساء من ميراثهن الشرعي،
ثم يقولون:
“لماذا الناس فقراء؟”
لأن أموال النساء محجوزة عند ذكور لا يفهمون في الاقتصاد أكثر مما يفهمون في الطبخ.
التحليل السياسي: خائفون من المرأة… وواثقون من الفساد!
أكثر جملة تكشف هشاشة السياسة العربية:
“لا نريد نساء في المناصب.”
لماذا؟
“الناس لا تقبل.”
أي ناس؟
الناس الذين يقبلون الفساد، الغش، الرشوة، الكذب، والفسل السياسي…
لكن لا يقبلون امرأة في منصب؟!
السياسي الذي يخاف من امرأة في منصب مسؤول هو سياسي يخاف من:
– المساءلة
– الشفافية
– والانضباط
… لأن المرأة لا تساوم بسهولة مثل صبيان المكاتب.
التحليل الدبلوماسي: دول تريد مفاوضة العالم… لكنها تخاف من سفر المرأة!
تخيل دولة تريد عضوية مجلس الأمن…
لكنها لا تسمح لامرأة بالسفر دون إذن ولي.
تريد توقيع اتفاقيات دولية…
لكنها تخاف من أن تفتح امرأة حسابًا بنكيًا.
تريد الاحترام الدولي…
لكنها لا تحترم مواطنيها من الأساس.
كيف ستتفاوض هذه الدول مع العالم… وهي لا تستطيع التفاوض مع نصف شعبها؟
الرؤية للخروج من العقدة: خطة إنقاذ وطن قبل إنقاذ المرأة
المشكلة ليست المرأة.
المشكلة في مجتمع يخاف من المرأة كما يخاف الطفل من الظلام.
ولكي نتجاوز هذه العقدة، نحتاج خطة صريحة، موجعة، وحقيقية:
1. إعادة تعريف الرجولة
ليس كل من يرفع صوته رجلًا.
وليس كل من يمنع امرأة قويًا.
الرجولة الحقيقية:
مسؤولية، احترام، ثقة… لا صراخ وعضلات خاوية.
2. إصلاح التعليم: طرد الجهل من الصف قبل طرد الشيطان
نحتاج تعليمًا يدرّس التفكير لا التلقين،
المواطنة لا الطاعة العمياء،
المنطق لا الخرافة.
جيل يفكر… لا يخاف.
3. قوانين تقطع يد التمييز
دون قوانين صارمة لا يتغير شيء.
قوانين تحمي حق المرأة في العمل، الإرث، القرار، السفر، المنصب.
قوانين تجرّم العنف والوصاية.
قوانين تجعل “الإنسان” أهم من “العادات”.
4. تمكين اقتصادي يرفع الأمة… وليس تمكينًا ديكوريًا
لا نريد منحنى وردي في يوم المرأة.
نريد مشاريع، قروض، وظائف، ضمانات مالية، تمويلات حقيقية.
المرأة القوية اقتصاديًا… تسكت نصف الأصوات الذكورية تلقائيًا.
5. إعلام يقتل الخرافة ويُظهر الحقيقة
إعلام يعرض المرأة كما هي:
عالمة، قائدة، خبيرة، مفكرة…
لا كبكائية في مسلسل ولا كمشهد إغراء.
غيروا الصورة… يتغير الوعي.
6. إدخال المرأة في السياسة والدبلوماسية… ليس فضلًا بل ضرورة وطنية
دولة بلا نساء في القرار هي دولة بلا مستقبل.
ببساطة:
أمة تقودها عقول أكثر… تتقدم أسرع.
الخاتمة النارية: الحقيقة التي يخافون من سماعها
الأمم لا تنهض وهي تحبس نصف مواطنيها في المطبخ.
ولا تتقدم وهي تعامل المرأة كقنبلة.
ولا تتطور وهي تعتبر صوتها “عورة”.
الخوف من المرأة ليس ورعًا…
إنه جهل بامتياز.
وتقييد المرأة ليس حماية…
إنه ضعف مقنّع.
وحين يتحرر المجتمع من خوفه،
ستحيا الأمة بكاملها — لا بنصفها.
لأن الوطن الذي يعتمد على “نصف عقل” ينهار…
أما الوطن الذي يؤمن أن العقل لا جنس له… فهو الوطن الذي سيبقى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى