رؤي ومقالات

سلام مسافر يكتب :هل سعى لينين لإقامة وطن لليهود في القرم؟

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

(1)
مع تعثر التسوية في أوكرانيا وتقلب المواقف الأميركية والأوروبية؛ وتباين شروط موسكو وكييف تبرز الحكاية القديمة عن مشروع ” كاليفورنيا القرم” ويدور الحديث حول مشروع تاسيس كيان يهودي في شبه جزيرة القرم، تحاك عنه أساطير يغذيها انغلاق الأرشيف السوفيتي( الروسي) امام الباحثين في الكثير من الملفات التاريخية المثيرة للجدل.
فبعد انفراط عقد الاتحاد السوفيتي، انشغل فريق من الكتاب والمؤرخين بالكشف عن ما اعتبروه جرائم الحقبة السوفيتية، ليتصدى لهم مدافعون عن حقبة غيرت العالم، واستهلك مؤرخون وكتاب غربيون وفي مختلف دول العالم؛ انهارا من المداد وأطنانا من الورق في مسعى لدراسة مسيرتها و كواليسها وأسرارها؛ على خلفية استعصاء الوثائق الأصلية، او ضياعها او اخفائها لأسباب مريبة؛ ومحاولة فريق من المؤرخين شيطنة الدولة السوفيتية بكل مفاصلها على حساب الحقيقة.
لعل اكثر الأساطير شيوعيا؛
تقول إن لينين منح اليهود حق استيطان القرم مقابل قرض من المنظمة اليهودية الأمريكية «جوينت».
وبضمان هذا القرض، قُسمت أراضي القرم إلى حصص صدرت مقابلها سندات حكومية.
وفي وقت قصير اشترى 200 مساهم هذه السندات، بما في ذلك عائلة روزفلت، وعائلة هوفر، وقادة منظمة جوينت برئاسة المليونير لويس مارشال.
وكان يجب سداد الأموال قبل سنة 1954، وفي حال عدم السداد تصبح القرم ملكًا لأصحاب السندات.
وفي الولايات المتحدة سُمّي هذا المشروع «كاليفورنيا القرم ».
الأسطورة الثانية تنبع من الأولى:
في مؤتمر طهران عام 1943، قال الرئيس روزفلت لستالين صراحة إن الولايات المتحدة مضطرة لوقف إمدادات ما يعرف بمساعدات قانون “لند-ليز” *للاتحاد السوفيتي،
ولا تستطيع فتح جبهة ثانية، لأن اللوبي اليهودي القوي في أمريكا
يطالب البلاشفة بتنفيذ التزاماتهم تجاه “كاليفورنيا القرم ” إما بسداد الديون أو بتأسيس جمهورية يهودية في القرم.
و بنتيجة الحرب لم تكن لدى موسكو أموال لسداد هذه الديون.
الأمر الذي وضع ستالين في موقف حرج، ووافق على البدء بأعمال تمهيدية لإنشاء جمهورية يهودية.
وبناءً على مطلب مالكي السندات الأميركيين، جرى ترحيل تتار القرم باعتبارهم العائق الرئيس أمام توطين اليهود في شبه الجزيرة.
وفي عام 1949 امتلك ستالين القنبلة النووية، ولم يعد بالإمكان ابتزازه.
وبدا أن مسألة القرم حُلّت نهائيًا.
لكن بقيت السندات التي وقّعتها حكومة روسيا السوفيتية.
فطن ستالين لهذا الأمر،فابتكر خطة لنقل القرم من جمهورية روسيا السوفيتية إلى جمهورية أوكرانيا السوفيتية.
لكن ستالين لم يتمكن من تنفيذ الخطة لأنه توفي في ظروف غامضة.
أما خروتشوف فقد نفّذ الخطة قبيل موعد استحقاق السندات في 15 فبراير 1954 فنقل القرم إلى جمهورية أوكرانيا التي لم تُبرم أي رهونات.
وبذلك أُلغيت السندات دون تعويض،
وانهار مشروع “كاليفورنيا القرم ” نهائيًا.
هناك تفاصيل حول تلك القصة منها ما ذكره الكاتب فيكتور يرِمين في قصته «مشروع كاليفورنيا القرم » أن السفير الأمريكي في الاتحاد السوفيتي أفريل هاريمان، وجه باسم الرئيس هاري ترومان، إنذارًا بسحب الأسطول السوفيتي في البحر الأسود من سيفاستوبول وإنشاء دولة يهودية مستقلة على أراضي القرم، وجميع السواحل السوفيتية حتى أبخازيا،
وإلا فإن ستالين سيواجه قصفًا ذريًا لعدة عشرات من المدن المركزية في روسيا.
كاتب آخر، فيكتور لِفاشوف، في مؤلفه”اغتيال ميخوئيلس**”ينشر نص رسالة من جورج مارشال إلى هاريمان تضمّنت بالفعل مطلبًا يتعلق بأسطول البحر الأسود،لكن دون ذكر خرسون، او أي تهديد نووي.ولا يوجد أيضًا بين الكُتّاب اتفاق حول تفاصيل أخرى:
كم كان الاتحاد السوفيتي مدينًا لأمريكا بالضبط؟
هل طالب الأمريكيون باستقلال القرم أم اكتفوا بوضع جمهورية اتحادية؟
هل نفّذ فياتشيسلاف مولوتوف هذه “العملية”خلف ظهر ستالين؟
أم أن “أب الشعوب”كما سمي ستالين من قبل السدنة و المبخرين كان على علم منذ البداية؟
كل هذا بالطبع لا يدعم مصداقية تلك الروايات.
تتمحور هذه الأساطير حول ثلاثة أحداث واقعية:
محاولة حل «المسألة اليهودية» عبر أراضٍ في القرم،
وترحيل تتار القرم،
ونقل شبه الجزيرة إلى أوكرانيا.
هذه الأحداث الثلاثة وقعت بالفعل ولا ينكرها أحد،
لكن المشكلة هي كيفية ربطها بقصة واحدة.
وهنا جاء دور ميخائيل بولتورانين، وزير الإعلام السابق وأحد المقربين من يلتسين،
الذي صرّح عام 2008 لمجلة ( ارغومونتي اي فاكتي)بأن ستالين اعترف للزعيم اليوغوسلافي تيتو أنه رحّل تتار القرم بسبب وعوده لروزفلت بإنشاء دولة يهودية في القرم.
وهكذا اكتملت الحلقة ، وتحولت الأحداث الثلاثة إلى أسطورة
متناسقة.
لكن رواة هذه القصة لا يقدمون أي وثائق ثبوتية.
وبحسب بولتورانين، لا تزال وثائق «كاليفورنيا القرم » سرية.
إذا صدق أو لا تصدق!.
لتفكيك هذه الأساطير سنلجأ للوثائق، و نعرض تسلسل الأحداث
التاريخية لفهم السياق.
يتبع
هوامش :
*لند- ليز قانون الإعارة والاستئجار (بالإنجليزية: Lend–Lease Act) يسمح لحكومة الولايات المتّحدة بتسليف حكومات الدوّل الحليفة الغذاء والوقود والمواد والعتاد في الحرب العالمية الثانية وقد استفادت منه حكومة فرنسا الحُرّة والمملكة المتّحدة وجمهورية الصين والاتحاد السوفيتي ودول أخرى.
**ميخوئيلس : كاتب وشاعر ومسرحي تراس لجنة مناهضة الفاشية في الاتحاد السوفييتي وتوفي حقبة ستالين بحادث غامض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock