غير مصنف

فرحة ضياء.. بقلم: نجاح الدروبي

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

… انتشى قلب ضياء فرحاً عندما تعلَّم من والده الأحرف الأبجدية، وراح بسعادة غامرة يُردِّد أمام أفراد أسرته: “ألف – باء – تاء – ثاء – جيم – حاء – خاء – دال – ذال- راء – زاي – سين – شين – صاد… “.
وركَّز تفكيره أكثر فلم يتذكَّر، فإذا بوالده يقطع حيرته ويقول له:
-“بعد الصاد.. الضاد.. كيف تنسى هذا الحرف واسمك يبدأ به؟”.
فيجيب ضياء مسروراً:
-“نعم.. تذكَّرت.. حرف الضاد وهو لا يوجد إلا في لغتنا العربية الجميلة، لذلك سُمِّيَتْ بلغة الضَّاد”.
فيردُّ الأب مبتهجاً:
-“نعم.. لا تنسَ ذلك يا بني!”.
فيجيبُ الابنُ باحترام:
-“لا.. لن أنسى”.
ويتابع: “ضاد – طاء – ظاء- عين – غين – فاء – قاف – كاف – لام – ميم – نون – هاء – واو – ياء”.
وهنا تُدوِّي عاصفةً من التصفيق والفرح فيضحك الطفل، ثمَّ يذهب لينام.. وعندما يستيقظ الكونُ من سباته العميق، ويصعدُ قرصُ الشمس المشرق إلى حضن السماء يلتقي الطفل برفيقه “يامن”، وهو في طريقه إلى المدرسة فيطالعه الآخر بعينين صافيتين والبسمة تنسم على ثغره، ثمَّ يمدُّ ضياء كفَّه الصغيرة باتجاه زميله قائلاً:
-“البارحة تعلَّمْتُ الأحرف الأبجدية من والدي بحسب الترتيب الهجائي واسمك يبدأ بحرف الياء، أي يقع في نهاية الأحرف الأبجدية ألا تعرف ذلك؟”.
شَعَرَ “يامن” بخيطٍ رفيعٍ من الأسى يدخل أوصاله فقال مُحتدَّاً:
-” أنا زميلك المقرَّب إليك ومع ذلك تضعني في النهاية؟”.
ضحكَ ضياء من سذاجة صديقه، وقال له مبتسماً:
-“نعم.. أنا أُحبُّك كأخي لكنَّ اسمك يُكْتَبُ في نهاية الأحرف الأبجدية بعد الواو تماماً”.
أحسَّ يامن بالضيق من زميله، وثارت في نفسه عاصفةٌ من الغضب تجاهه، فركض وراءه يريد أن يقتصَّ منه، وهو يصرخ بصوتٍ مرتفع:
-“بعد الواو تماماً..؟!”.
فيجيبُ “ضياء” وهو يركض مُسرعاً نحو الأمام، والضحكة ترتسم على تقاطيع وجهه:
-“نعم.. بعد الواو تماماً”.
يُصادف “يامن” في هذه الأثناء صديقه “وليد”، فيقول له:
-“اسمك يبدأ بحرف الواو وهو من الحروف النهائية في لغتنا العربية.. هكذا يقول ضياء”.
فيهتاجُ “وليد” مُحتجَّاً ويقول:
-“ماذا؟ أنا أجلس معه في المقعد الأوَّل ومع ذلك يضع اسمي في النهاية؟”.
فيردُّ عليه “يامن” مُستغرباً:
-“نعم.. هل تُصدِّق ذلك؟ تعالَ لنلحقه!”.
يركض الاثنان وراء “ضياء” وهما يصرخان في الشارع المقفر تماماً من الناس إلا من أصوات بعض المارَّة حتى يصلوا إلى المدرسة المكتظَّة بالطلاب، ويلجوا الصَّفَّ فيطلب معلم اللغة العربية منهم الانتباه للدرس بعقولهم وقلوبهم، ثمَّ يشرح لهم بالتفصيل ترتيب الحروف ترتيباً هجائيَّاً مُستعيناً بالأمثلة والتقنيات المرافقة للشرح حتى إذا انتهى من ذلك طلب من “أيهم” أن يكتب له أسماء الطلاب بحسب الأحرف الأبجدية إلا أنه يقع ببعض الأخطاء.
يقرأ المعلم الورقة، ثمَّ يقول مؤنِّباً:
-“زميلكم وضع حرف الراء قبل الدال.. والصَّاد قبل السين.. مَنْ يُصَحِّح لهُ؟”.
يسكتُ الطلابُ جميعاً فيخيِّمُ على الصَّفِّ هدوءٌ مُطبقٌ.. هدوءٌ صامتٌ؛ يقطعه المعلم بصوتٍ أقرب إلى الجدِّ الصَّارم:
-“سوف أُعاقبُ جميع الطلاب إذا لم يكتب لي أحدُكم الأسماء بحسب الترتيب الهجائي”.
فيسرع “وليد، ويامن” بالكلام:
-“ضياء يعرفها يا أستاذ.. فقد حضَّر الدرس في المنزل!”.
المعلِّم: -“ردِّدها أمامنا”.
فيردِّد الطفل وهو يبتسم منشرحاً:
-“ألف – باء – تاء – ثاء – جيم – حاء – خاء – دال – ذال- راء – زاي – سين – شين – صاد – ضاد – طاء – ظاء – عين – غين – فاء – قاف – كاف – لام – ميم – نون – هاء – واو – ياء”.
يقول المعلم: -“أحسنت صفِّقوا له بحرارة فقد أنقذكم من العقاب”، فيصفِّق له الجميع وقد ازداد حماسهم، واندفعوا يُردِّدون الأحرف بعده بصوتٍ واحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock