رؤي ومقالات

د.عماد خالد رحمه يكتب :الواقع العربي و رقي الخطابة المضللة

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

لا يزال العقل العربي يتقلب بين الواقع والخيال. أمتنا العربية تدور في الدوائر دون أن تعرف إلى أين تتجه الرحلة. نحن العرب دائمًا في عجلة من أمرنا لعقد مؤتمرات وندوات احتفالًا بالبطولة والسخاء والاستعداد للتضحية، مصحوبة بعبارات احتجاج وإدانة وتهديد وتحذير – كل في الوقت والمكان المناسبين. في قمة جامعة الدول العربية، التي كانت بياناتها الختامية قبل أسبوع من صياغة القمة، التوصيات غير ممكنة ولا ممكنة. تبقى مجرد كلمات على الورق
إن القرارات المتخذة في هذه المؤتمرات والندوات في الإطار العربي – سواء كانت سياسات اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو تعليمية – تعاني من ضعف مزمن يعوق كل حركة. يمكن وصف هذا بشكل أفضل بأنه انفصال إبيستمولوجي أو انفصال تام بين ما يقال ويعلن ويمارس بالفعل. يبدو أن هذه النشاطات الموسمية التي غالبا ما تتبع أجندات مخططة مسبقا من خارج الوطن العربي يصاحبها طنين إعلامي صاخب حول مواضيع تتعلق بتطور المواطن العربي ليست أكثر من طقوس زخرفة بالكاد تدوم أيام قليلة. بعدها يعود العفن اليومي وكأن شيئا لم يحدث
هذا لأن الخطابة تعتمد على الوقاحة الرقيّة، وتبتعد عن المبادئ الأخلاقية وتقدم شعارات مذمومة بسهولة وبلا معنى لها. عالمنا العربي لا يعاني من نقص المفكرين أو الأفكار، بل من كثرة المثقفين والمتعلمين العالي – على الصعيدين النظري والعملي. لكنهم يعانون من التقليل من أهمية أفكارهم وصلاقتهم أو يواجهون السخرية، وكأن أفكارهم مجرد خيالات فكرية أو ثقافية.
الحالة المحزنة للواقع العربي تنقسم إلى أقوال بلا أفعال وأفعال بلا أقوال – دون أي تفاعل أو اتفاق جدلي أو عقلاني بين الاثنين. عندما نحلل العديد من المؤتمرات والندوات التي عقدت في العواصم العربية في السنوات الأخيرة، يتضح أن هناك ما يستحق الاهتمام الجدي. ومع ذلك، فإن مفهوم عدم معنى الكلمات وخفة دمها يمنع جدال خطير مع ما ينتمي إلى مجال الخطاب المشارك.
لهذا تسمع هنا وهناك شعارات ووعود مدوية تنفخ بعد انتهاء الحدث. في هذا السياق، لا يظهر المثل “الكلام من فضة، والسكوت من ذهب” كإرث بلا معنى. لأن الكلمات قد تكون أحيانا ذهب أو حتى ألماس عندما يتم التعبير عنها في المكان المناسب وفي الوقت المناسب لنقد الظواهر أو الممارسات التي تفتقر إلى الحكمة والعقلانية. الصمت من ناحية أخرى إذا كان وسيلة لتجنب المواجهة فهو تواطؤ وليس ذهب ولا نحاس !
عدم الترابط بين النخبة الفكرية و الثقافية و عامة الشعب يمكن أن يكون أحد أسباب الفصل بين الفكر و الفعل. لا يمكن سماع الأفكار إذا لم يتم نشرها وإعلانها. هناك حاجة إلى الوسطاء لنقل هذه الأفكار إلى المخاطبات. حتى مراكز البحث والدراسة، بقدر عددها وبصوت أسمائها، تظل معزولة خلف جدرانها إذا لم يغوص الباحثون والمفكرون في الواقع. إذا كانت هذه المراكز تنشر تقارير أو دراسات أو إحصائيات فقط دون ربطها بالواقع، فهي تختزن في أبراجها العاجية.
من يراقب توصيات ونتائج المؤتمرات الثقافية والفكرية في مختلف العواصم العربية لمدة عام واحد فقط سيجد أنها تختفي في ملفات غبارية وأدراج مظلمة. وكأن كل الذين تحدثوا رقابهم لم يبلغوا حتى شرارة الحياة – “لأن لا حياة فيمن تنادي” ”
إلقاء اللوم على النخبة الفكرية و الثقافية على الإخفاقات وحدها هو اعتذار و محاولة صارخة للتهرب من المساءلة. إلى متى ستستمر هذه الظروف غير المتساوية غير واضح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock