غير مصنف

أغربة سود قصة – عماد أبو زيد

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

أغربة سود قصة – عماد أبو زيد

صديقي العجوز يضحك.. وتبرز أسنانه من القهقهة.. نابان طويلان في الفكِّ العلوي.. متصبغان باللون الأصفر.. بينهما أسنان مهشَّمة.. ومتكحِّلة بسواد ليس له آخر. هذه هي المرَّة الأولى التي امتلئ فيها رعباً.. يكاد النابان أن يمتدا ويغرسا في جسدي. ضحكته تزداد سوءاً.. وأظنُّ أنَّ فاه ينفث هواءً ساخناً، وجنتيه لهما لون أحمر مخيف.
أسنانه المهشَّمة تبدو أنها سوف تستعيد حيويَّتها وقواها حين تفرغ من نهش بدني. دخان سيجارته يلتفُّ حول خاصرتي باستماتة. هو لا يكفُّ عن الضحك.. ربما ضحكته الطويلة تغذَّت من أكسجين الغرفة كلِّه.. لم يترك لي قدراً أتنفَّسه.. بدا أنانياً حقاً.. لقد صرت أراه على حقيقته الآن. ربما كنت في حاجة إلى هذه الضحكة المميتة.. كي أعيد اكتشاف صاحبي هذا من جديد.. كان مصرَّاً على أن يسمعني قصيدته القريبة إلى نفسه “جوَّايا شيء انكسر “.
أغفل أحياناً.. إنه يعاني الاكتئاب.. معظم الوقت أراه مضطرباً. هو لا يعلم أنَّ حزناً ما يتمدَّد داخلي.. يكاد أن يفجرني أشلاء.. أعدم منطقية مرافقته لي منذ فترة قريبة. صاحبي هذا يستحيل أن أخبره بهذا السر.. هو يكره الأطباء النفسيين.. وقطعاً سوف يظنُّ بأنِّني أهيِّئه للموافقة على الذهاب إلى الطبيب. حين ألتقيه.. أتعالى فوق جراحي.. أدخل إلى قلبه البهجة.. إلا أنه في هذه المرَّة خذلني.. أقدم على شيء لم يكن يجول بخاطري – ملئت منه رعباً – مخلفاً ضحكته تحلق فوق رأسي بأجنحة أغربة سود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock