د. فيروز الولي تكتب :الوحدة أو الموت… شعار مرفوع على قبر الدولة

في اليمن، تتجول الشعارات كالأشباح:
“الوحدة أو الموت”.
شعار يفترض أنه جملة حياة… لكنه كُتب بدم وصُمم ليُطبع على لافتات جنازات الشباب.
الوحدة ـ في عقل القيادات ـ ليست مشروع دولة، بل صفقة بنزين سياسي: من يمول ستُرفع صورته، ومن يعارض سيُتهم بالخيانة، ومن يسأل عن الدولة سيقال له: “اصبروا… معركة الوعي”.
أما في عقل الناس… فالوحدة صارت مثل الكهرباء:
نسمع عنها في الخطابات، ولا نراها في الواقع.
عقدة الجنوب… هل يريد الناس الوحدة أم الانفصال؟
الحقيقة أن الناس في الجنوب ليسوا هم المشكلة.
المشكلة في من يمثل الجنوب:
قيادات هشّة… مموّلة… تتحرك بـ بطاقة الإقامة الخارجية.
هل يريد أهل الجنوب الوحدة؟ أم الانفصال؟
السؤال الحقيقي:
هل سُمع صوت الناس أصلاً منذ 1990؟
أم أن كل الأصوات كانت تُختصر في فندق خمس نجوم وبيان مسائي يحمل ختم “الممول المحترم”؟
الشمال والجنوب ـ شعباً ـ لا يكره بعضه،
لكن القيادات جعلت اليمنيين أبناء مشروعين متناقضين:
مشروع في الخندق وتحت الشمس
ومشروع في جناح دبلوماسي مكيف
يصدر قرارات عبر “واتساب”.
تحليل نفسي: الدولة كشخص ينكر أنه ميت
نفسياً، اليمن يعيش حالة إنكار جماعي:
كل الأطراف تتحدث عن “بناء الدولة” وكأن الدولة لم تُدفن منذ سنوات.
نحن نشاهد جنازة الدولة، بينما القيادات تتحدث عن “الاستحقاقات الدستورية” و“مصلحة الوطن العليا”.
اليمني اليوم مثل مريض يدفع فواتير مستشفى… بينما الطبيب يقول له:
“مبروك، حالتك مستقرة”
وهو يعلم أن المريض توفي من 2015.
تحليل اجتماعي: مجتمع يعيش بين حربين
الناس لم يعودوا يسألون: من يحكم؟
بل يسألون: هل نستطيع أن نعيش؟
بين شمال منهك وجنوب متشظي ووسط يحتضر… أصبح المجتمع يبحث عن سلام نفسي قبل السلام السياسي.
الفقر حوّل اليمني إلى مواطن اقتصادي متنقل:
أينما وجد فرصة… أصبح هناك وطن مؤقت.
الأسرة اليمنية اليوم تناقش الوحدة والانفصال على ضوء شمعة، بينما ابنها هاجر للخليج ليعمل في مقهى يشاهد فيه سياسيين يتحدثون عن “كرامة اليمنيين”.
تحليل ثقافي: ثقافة الدولة غائبة… وثقافة الشعار حاضرة
ثقافياً، نحن لا نبني دولاً… نحن نبني شعارات:
“الوحدة”
“السيادة”
“التحرير”
“القرار الوطني”
مجموعة مفاهيم تم تسويقها مثل إعلان عن مسحوق غسيل: النتيجة واحدة… لا شيء تغير.
ثقافة الدولة تحتاج مؤسسات… بينما نحن نمتلك مجالس قات.
تحتاج عدالة… بينما لدينا مجالس صلح القبائل.
تحتاج اقتصاد… بينما لدينا هبات ومكرمات.
تحليل سياسي: قيادات تعيش على أكسجين الخارج
سياسياً، الجميع يتحدث عن الوطن… والجميع يسكن خارجه.
كل مشروع سياسي له رقم حساب،
وكل زعيم يمتلك صورة مع السفير.
أما الحديث عن السيادة… فهو للاستهلاك المحلي فقط.
السياسي اليمني اليوم يستورد شرعيته من الخارج،
ويصدر وطنية في خطاباته من مواقع التواصل.
الوحدة ـ كسياسة ـ أصبحت مشروع تبادل مصالح بين الممول والمحتاج.
تحليل اقتصادي: الانفصال مكلف… والوحدة أكثر كلفة
اقتصادياً، الحقيقة صادمة:
الوحدة اليوم غير قابلة للحياة… والانفصال أيضاً غير قابل للحياة.
ليس لأن الفكرة خاطئة،
بل لأن القيادات فاسدة في الحالتين.
الوحدة تحتاج اقتصاد دولة:
نفط
ميناء
عملة مستقرة
بنية تحتية
لدينا العكس تماماً:
نفط يصدر بلا فواتير
موانئ تحت إدارة الغير
عملة ترقص الزومبا
خرائط يعني “ربما هناك طريق”.
أما الانفصال… فهو حلم جميل على الورق،
لكن من سيديره؟
نفس القيادات التي عجزت عن إدارة شارع؟!
تحليل عسكري: موت مجاني بلا نصر
عسكرياً، ألف شاب يموتون…
ليقوم زعيم سياسي يقرأ بياناً من بيروت أو القاهرة:
“نبارك الانجاز التاريخي… في الصفحة رقم 3 من الخطة”.
الجنوب والشمال حرقوا شبابهم في معارك “لا يعرفون نهايتها”.
الجندي يموت من أجل “الوطن”،
بينما الوطن يعيش في فندق ماريوت.
الحرب تحولت إلى مسرحية:
أبطالها الشباب…
ومنتجها القيادات…
ومكسبها الممول.
تحليل دبلوماسي: اليمن كملف… لا كدولة
دبلوماسياً، اليمن أصبح ملف تفاوض خارجي:
لا أحد يتحدث عن اليمن كدولة،
بل كخطر أمني يجب إدارته.
الدول تناقش اليمن مثلما تناقش ملف نووي مهمل.
العالم يحاول “احتواء اليمن”،
لا “بناء اليمن”.
الحل… أبسط مما تخافه القيادات
الحل ليس في المفاوضات التي تحدث في الفنادق،
بل في استفتاء شعبي محترم:
اسأل الناس… لا الزعماء.
ضع الشعب أمام نفسه:
هل تريد الوحدة؟
أم دولة جنوبية مستقلة؟
بدون تهديد… بدون تخوين… بدون “رصاصة وطنية”.
من قال إن الوحدة تحتاج بندقية؟
الوحدة الناجحة لا تحتاج لاجئين داخليين ولا مقابر جديدة.
رؤيا للخروج من هذا الهزل
1. استفتاء شعبي ملزم تحت إشراف دولي ومحلي.
2. اتفاق على وقف الحرب فوراً قبل الاستفتاء.
3. محاسبة القيادات الفاسدة جنوباً وشمالاً قبل أي انتقال.
4. ضمانات اقتصادية تمنع انهيار أي طرف بعد القرار.
5. مشروع مصالحة وطنية حقيقية لا خطابات.
6. إعادة بناء الدولة على أساس المواطنة لا التاريخ.
7. فصل القيادات عن المال الخارجي بقرار قاطع.
الدولة تُبنى بقرار شعب… لا برغبة زعيم.
خاتمة… تليق بالجرح
الوحدة التي تُفرض بالسلاح اسمها سيطرة،
والوحدة التي تُبنى بالناس اسمها دولة.
والانفصال الذي يأتي من حزن الناس ليس خيانة… بل صرخة نجاة.
في النهاية…
اليمن اليوم لا يحتاج بندقية جديدة، بل سؤالاً صادقاً: ماذا يريد الشعب؟
دعوا الناس تقرر…
ثم اصمتوا جميعاً.
لأن التاريخ لا يخلد الشعارات،
بل يخلد من احترم إرادة شعبه.
الوطن الحقيقي ليس في الخنادق… بل في قرار حر بلا دم .









