حافظ المرازي يكتب :عودة ملف حقوق الإنسان العربي إلى شاشة الجزيرة
لكن هل ملف تونس هو الأسوأ أم انتقادها هو الأسهل

بينما كان إعلام الأنظمة العربية يهاجم الجزيرة لأنها منذ نشأتها تناقش ملف حقوق الإنسان العربي وتستضيف المعارضين، ويأخذ عليها في حملاته أنها لا تفعل ذلك مع قطر، لكن غالبية المدافعين عن حقوق الإنسان العربي والداعين للربيع العربي لم يهتموا كثيرا بالشأن القطري المستثنى لهامشيته عندهم، بقدر اهتمامهم أن شاشتها سمحت لعشرات الملايين من المشاهدين العرب بمتابعة نقاشاتها الخلافية واستضافة معارضي الأنظمة العربية والنشطاء الحقوقيين من الدول الأكبر والأكثر تأثيرا في النظام الإقليمي العربي، حتى ان الرئيس مبارك شبّه مبناها القديم الذي كان صغيرا، حين زاره، ب”علبة الكبريت” أي صندوق الثقاب القادر بعود منه على إشعال أكبر الحرائق!
لكن بعد إجهاض الربيع العربي أولا، ثم حصار قطر الإقليمي ثانيا، أدركت الدوحة بحكمة المثل المصري القائل “يا روح مابعدك روح” واسكتت قناتها بعد مصالحة قمة العلا السعودية وتوقفت الجزيرةعن فتح ملف حقوق الإنسان العربي، ولم يعد لها ما تمتقده وتغطيه صباح مساء، بشكل أكبر من الإعلام المصري، سوى الاحتلال الإسرائيلي ومايفعله ضد حقوق الانسان الفلسطيني بل والعربي. وأصبخ شعار الإعلام الساكت عن حقوق الإنسان العربي من حكامه العرب: “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” حتى ولو كانت لحكوماته العربية علاقات معه، وهو العدو الذي وصفه الرئيس السيسي في قمة الدوحة الأخيرة ب”العدو المشترك”!
وإن كان الإعلام السعودي والإماراتي لا بوافق على هذه التسمية وربما يرى من تغطيته في حماس عدوا أكثر خطرا، وهو ما يجعلنا للإنصاف نشكر الإعلام المصري والقطري، بغض النظر عن مدى صدق النوايا.
لذلك استغربت اليوم، مشاهدة حلقة من برنامج الزميل محمد كريشان “سيناريوهات” مخصصة عن أوضاع حقوق الإنشان في تونس، بمناسبة احتجاج الرئيس التونسي على انتقاد الاتحاد الأوروبي لتلك الأوضاع واجتماع ممثل الاتحاد برئيس نقابة الشغل (العمال) التونسية، كما ناقش البرنامج بشجاعة مقدمه التونسي، الاعتقالات التي تطال المعارضة التونسية وآخرها القبض على زعيم جبهة الخلاص الوطني، وهو السياسي المخضرم/ أحمد نجيب الشابي.
وهي خطوة إيجابية، لا تقتصر على البرنامج بل هي خبر عن تونس في نشرات الجزيرة اليومية الآن!
لكنني أكتب هنا لأسجلها وأشيد بها كما أحذر من ان تكون هي اباستثناء الانتقائي الذي قد يزيد من تقويض مصداقية القناة وحجج خصومها.!
بالطبع، لست هنا مع انتقادات إعلاميي الانظمة التي تطالب فقط الجزيرة بالسكوت عن الجميع، ولكن أكتب على أمل ولو ساذج ان تكون هذه بداية وليس أقصى ما في قدرة الجزيرة على فتح ملفات حقوق الإنسان بالنسبة لباقي الدول العربية. أمل يعود لاعتباري أن تونس عوّدتنا منذ الربيع العربي ان تكون لها الريادة.
كما أخشى أن يكون اختيار تونس لعودة مناقشة الملف العربي المغلق في فضلئياتنا هو الأول والأخير، من باب الاستقواء على الضعيف أي حكومة تونس المدنية المتعلمة التي لاتملك قدرات الرد الخشن ماديا أو إعلاميا او حتى باللجان الإلكترونية، وليس لها كفيل خليجي او فتوة عسكري يتوسط لها لدى قطر سواء بالوعد أو الوعيد، خلافا لسوريا.
لو بالمقارنة بمن أحق إعلاميا من تونس في فتح ملفات حقوق الانسان عنده من حيث انتهاكاته ومشاكله مع الاتحاد الأوروبي او منظمات العفو وحقوق الانسان الدولية، فعلينا أن نقارن أولا درجة تونس المُصنّفة “حرة جزئيا” لدى مؤسسة “دار الحرية” فريدوم هاوس الامريكية لهذا العام ب 44 نقطة من مائة (وهي الدولة العربية الوحيدة التي كان تصنيفها “حرة” تماما بدرجة 71% عند نفس المؤسسة قبل الانقلاب الدستوري للرئيس قيس سعيّد) ..
أما درجات باقي الدول العربية الملتهب ملفها الحقوقي والمكتظة سجونها والمسكوت في الجزيرة عنها، فهي دول تصنفها المؤسسة ب “غير حرة” ومنها قطر ومصر والسعودية والإمارات وأخيرا في قاع القائمة: سوريا، الممدوح نظامها الان صباح مساء في الجزيرة، رغم ان درجتها في الخفوق والحريات 5 فقط من 100.









