د. لبنى مرتضى تكتب:الإعلام الرقمي (المخاطر والتداعيات)

الإعلام الرقمي (Digital Media) هو استخدام الوسائط التكنولوجية الرقمية لإنتاج، تخزين، نقل، وعرض المحتوى الإعلامي عبر القنوات الإلكترونية والإنترنت. إذ يعتبر تحول جذري عن الإعلام التقليدي (المطبوع، الإذاعي، التلفزيوني). فقد أحدث الإعلام الرقمي تحولاً جذرياً في المشهد الإعلامي العالمي، وله تداعيات متعددة الأبعاد على مستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي. وكان من أبرز هذه التداعيات هي إتاحة الوصول إلى المعلومات وكسر احتكار المعلومات وتداولها وتمكين الأفراد من الوصول إلى مصادر متنوعة و نشر المعرفة على نطاق واسع وذلك بتحويل المتلقين إلى مشاركين فاعلين ضمن خلق مساحات للحوار والنقاش و تمكين المجتمعات المهمشة من التعبير ويعتبرنقل الأخبار والمعلومات في الوقت الفعلي يعطي القدرة على تحديث المحتوى باستمرار و تجاوز الحواجز الجغرافية والزمنية.
وبالنسبة لأهم التحديات والسلبيات المتعلقة بالإعلام الرقمي فقد انتشر بالآونة الأخيرة الكثير من المعلومات المضللة وذلك لسهولة نشر الأخبار الكاذبة والشائعات عبر السوشال ميديا وتفشي ظاهرة “الأخبار المزيفة” (Fake News)والتلاعب بالرأي العام عبر حملات منظمة تستهدف فئات من المجتمع من مدمنين المنصات الرقمية والأعمار الصغيرة التي تستخدم منصات من دون رقابة اجتماعية, وهناك تحديات تعد من أهم الأمور المتعلقة بالإعلام الرقمي والتي تعتمد على الخصوصية والأمن و جمع البيانات الشخصية واستغلالها وذلك بانتهاكات الخصوصية من قبل الشركات والحكومات وذلك من خلال القرصنة والاحتيال الإلكتروني. فهذه العوامل أدت بشكل مباشر على التأثير بالاقتصاد الإعلامي مما أدى لأزمات كبيرة للمؤسسات الإعلامية التقليدية وهيمنة المنصات الرقمية الكبرى على الإعلانات وتحديات استدامة نماذج الأعمال الإعلامية و تضييق مساحة الحوار البناء مما أدى لتهديد التماسك الاجتماعي . فإن تغير أنماط الاستهلاك الإعلامي يؤدي إلى تراجع الاهتمام بالمحتوى العميق والتحليلي وهيمنة المحتوى السريع والسطحي و تغير عادات القراءة والاستماع.
ومن أهم الاستغلالات للإعلام الرقمي التحديات التي تواجه النساء وذلك عبر منح فرص للتغيير, فالإعلام الرقمي يقدم فرصاً هائلة للنساء للتعبير والمشاركة والتمكين، لكنه يحمل أيضاً تحديات جدية تتعلق بالاستغلال والتمييز. فهناك أشكال مختلفة للاستغلال الذي يواجهه النساء في الإعلام الرقمي ويتجلى ذلك بالتحرش والمضايقات الإلكترونية
إذ أن نسبة كبيرة من النساء تعاني من تحرش لفظي وتهديدات عبر المنصات الرقمية والتنمر القائم على النوع الاجتماعي مما يشكل عائقاً أمام مشاركة النساء في النقاشات العامة واستخدام صور النساء دون إذن في سياقات مسيئة أو تجارية وتوزيع المحتوى الحميمي دون موافقة مما يسمى (الانتقام الإباحي).
فهنا نسأل كيف يمكن تحويل التحديات إلى فرص بالنسبة للنساء؟
يمكننا القول أن ذلك يحدث ضمن التمكين الرقمي للنساء وذلك عبربرامج لتعزيز المهارات الرقمية والقيادية للنساء والفتيات وتشجيع النساء على دخول مجالات التكنولوجيا وريادة الأعمال الرقمية و إنشاء منصات رقمية تدعم قضايا النساء وتسلط الضوء على إنجازاتهن و استخدام وسائل التواصل لنشر الوعي حول المساواة الجندرية وضمان تعزيز القوانين التي تجرم التحرش الإلكتروني والانتهاكات الرقمية وذلك عبر تطوير آليات تقنية للإبلاغ عن المحتوى المسيء وحماية الخصوصية وتشجيع زيادة أعداد النساء في فرق صناعة القرار في الشركات التكنولوجية ودعم المحتوى الرقمي الذي يقدم صورة متنوعة وإيجابية عن النساء فمن أهم التوصيات للتعامل مع هذه القضية هي تعزيز التربية الإعلامية الناقدة للجنسين وإنشاء شبكات دعم للنساء في الفضاء الرقمي وتطوير سياسات شاملة لحماية النساء على الإنترنت مع الحفاظ على حرياتهم وذلك عبرتشجيع الأبحاث حول تأثير الإعلام الرقمي على النساء في مختلف الثقافات.
وختاما نقول أن الاستغلال الرقمي للنساء هو انعكاس لقضايا اجتماعية أعمق، ومعالجة هذه المشكلة تتطلب جهداً متكاملاً يشمل التعليم والتشريع والتغيير الثقافي وتمكين النساء تقنياً واقتصادياً.