غير مصنف

هذه هي شهرزادُ الضوء الأخير.. شعر نثري بقلم: عبد الرحمن منير عبدالله القيسي

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

يا نجمةَ الملكوتِ الوحيدةْ.
المتهشم ضوؤُها كتهشُم الشاعريةِ
في قلبِ “إيميل” الحزينْ.
يا أنيسةَ الوُحشةِ في غابةِ السديمِ والأفلاكْ.

ينبعثُ ضوؤك المتكسرُ كتقاطيعِ الناي،
ويتساقطُ مثل هالاتِ الثلج موشاةً
بتناهيدِك الحمراء،
ويتناقصُ
كما تتناقص قلوبُ المحبين والعشاقْ.

هل أضعتِ الطريقَ إلى منزلكِ
هذا المساءِ وفضلتِ المكوث وحيدةً في الظلمة؟

منْ سيشْحنُ جسَدَك بالنور…
ويمدكِ بالطاقة ،
وأنت تتبرعين بدمائكِ لصالحِ هذا الوجود
المنطفئِ ولا تبالين بصحتكِ ولا بضمورِ
جسدك الفاتنْ ؟

فيم بقاؤكِ الآن…
وقد غادرْن شقيقاتُكِ النجمَاتْ
وغابَ حارسُكُن البدرْ؟
وليس حولَكِ إلا ليلٌ كثيٓفْ
مكتظٌ بالعوآءْ
مضنٍ وشآقْ
ليس بوسعكِ أن تضيئيهِ وحدكِ ليس بوسعكِ أيتها الودودةْ.

هل ترقين لحالِ السديمِ
المشنوقِ في السوادْ
أم لهؤلاءِ الكادحينَ ، المختنقين بالأدراكْ
الباحثينَ عن كِسْرةٍ من أفُقٍ
تتناولُها صدورهُم الضيقةْ..
شاجرين أفواهَ قلوبهم بأملٍ
أن تُنجِدَهمُ السماواتْ؟!

أم أنك شاعرةٌ مثلي
تقتاتين الآلآمَ وتقرِضين الليالي
الطويلةْ
باحثةً عن القوافيْ المحملةِ
بأعمقِ الأحزانِ لَذّةً وسلاسةْ.

بم تشعرين أيتها الأمُّ التي
ضيَّعتْ طفلَها في نواحيْ المجرةْ
يا غزالةً خمَشتْها ذئابُ الحنينْ
يا زهرةً كبَّلَ أجفانَها الدمعُ فلم تغفُ
ولم تهجعْ منذ وقتٍ طويلْ

بم تشعرين يا مريمُ العذراء،
هل تواصلين وظيفةَ المصلوب،
أم تطالبين بإقامةِ محكمة اللهِ،
وإشفاءِ الغليل ،من الفجرةِ
المفرطين بالدم الإلهي
والمارقين عن الشريعة القدسيةْ!

ما شعورُكِ يا نجمةَ الأحزانْ.
السماءُ الدنيا لا تناسبُكِ وربما تخططينَ
للانتقال إلى سماءٍ أكثرَ زرقةً من هذهِ
التي نُسِبت للدناءةِ الملعونةِ بفم سيدِكْ.

صرختُ لك لأشاركَك الجرح..
وليتسامرِ الجريحانْ!

أنا أنت أيتها النجمةُ
لك أعزفُ موسيقايَ الحزينةَ والهادرةَ بصمتٍ
بين جوانحيْ.

نحن الشعراءُ:
ولدنا لنصنعَ للحزنِ رداءً فاخراً ،وديباجا ساحراً،
ومن ثم نجعلهُ أنيقاً وسيماً مهذباً
ونسترُ عريَه المقيتَ وقماءتَه الملفوظةَ من سائر الخلقِ
سوى الشجعانِ التعساءْ!

نحن الذين نُنصِّبُ أحزانَنا ملوكا على عروشٍ لغويةٍ
يقال لها النصوص ، وحينَ تُلقي أيادي خِلافِتها في الهواء..
يَهْرعُ الخلقُ إليها
ويقبلونها طازجةً دافئةً كالرغيفْ!

نحن جحيمُ الأرغفةِ أحزانُنا تعطي الناسَ حقوقَهم
على أتم وجهْ وتأكل حقوقَنا على أتم وجهْ.
ولدنا لنكون منافقين ونبلاء في ذات الوقتْ !

من حولك شياطينٌ ومردةْ…
أفّاكون
يحاولون نقلَ الأفْقِ داخل قنينةٍ صغيرةْ
ويسترقونَ الأخبارَ التعيسةْ..
ويحترقون لأجل تعاستِهم كل يومٍ
وأنت منهكةٌ من أعمال أمومتِكِ
توقفتِ عن حراسة السماءِ
فلا تقعين على أحدٍ..
ولا تُحرقين أحدا؛
اكتفيتِ بحرقِ نفسكِ أيتها الجميلةُ الجميلةْ.

فعيناكِ ذابلتانِ من السهرِ،
وجياشةً مشاعرُكِ،
تحضنين في صدركِ غولَ أحزانِك الصغيــر
تُمسِّحين على رأسه كالطيرِ

وتسرِّحين جدائلَهُ،
تمشّطين شَعرهُ، وتدللينه كل وقتٍ،
وحين يأكلُ من ثدييكِ…تتألمينَ..،
وتئنين..،
لكنك تواصلين إرضاعَه حليبَ النورِ المباركِ،
متحفظةً بآلامِك المتكدسةِ بالأطنان خلف جلدِ فؤادكْ.

ماذا يقولون..
حراسُ الملكوتِ
أعلى صدَغِك المضيءْ؟

هل استمعتِ لجلسةِ الملأ الأخيرةْ
لكتَّابِ الأقدارْ…؟
وهم يقصُّونَ مصيرَ الكائناتِ
ويقرأون الضبابَ في عالمِنا..،
فإذا بك تشعرينَ بالشفقةِ
وتجدلين شريانا من قلبكِ الرؤوف،
تمدينَه إلى أسفلْ…
وتجرحين جسدَ الليل بماءِ دموعكِ
فيحترق الليلُ
ويلعنكِ دون مراعاةٍ

آهٍ أيتها النجمةُ الباردةْ.
أسمعُ أجراسا ترن في خافقكِ ورعودا هادرةْ.

ما آخرُ ما قاله الملأُ المقدسُ،
عن أراضِي الطغاةِ المقيمةِ على عقوقِها
تجاه السيدِ الذي يرزقُكُن النورَ من عروقِ ألوهتهِ المجيدةْ.

هل ستتقطعُ حوافرُ الغزلانْ؟
هل ستهوي الشهبُ اللاهبةُ من بين أصابعهِ الغاضبةْ ؟
وهل تتقيأُ المحيطاتُ أمواجَ الموتِ والقبورْ .. في مدن الإثم والفجورْ؟

ماذا تكنين لهؤلاءِ
المُعمَّدينَ في حبرِ آلامِهمْ،
والبسطاءِ الناقصةِ جُفُونُهم من حليبِ اللهْ!
حدثي أيتها النجمةْ.

لا تأبهي لحالِنا لا تأبهي لحالِ البشرِ ولا لحالِ الجيولوجيا !
واجعلي أصابعَكِ في آذانِك بعد اليومِ
كي لا تسمعيْ دويَّ الأسواطِ الإلهيةِ
وهم يصُكُّونها على صخورِ السماءْ

لا تستمعيْ لصراخِ الجبارينْ!
ولا لكلابِ آسبارتوسَ وهم ينبحونْ
وهم يحُكُّونَ أشداقَهم بالحديدْ
متأهبينَ لتحطيم القلوبِ
واحتطابِ الأجسادْ

لا تستمعيْ فيأخذكِ الرَّوع فتسقطين
أو تخفتِين لرقةِ قلبكِ الجليلْ.

أنا أنتِ أيتها النجمةُ
أشهد أني مثيلُكِ
قلبي مدينةٌ من الفراشِ لا تضيءُ
إلا حينما يتكسرُ ويحترقْ.

أنا أنتِ أيتها النجمةُ
أشهد أني ذبيحُكِ
لولاك لما أنشدتُّ ولأصبح حزني قميئا
أنت ذبّاحتي!

أنا أنتِ أيتها النجمةُ
أشهدُ أني أسيرُكِ
لم أرافق أقراني إلى حانوتٍ ولم
أهز أرائكَ الكنبةِ
ولم أضاجعْ بناتِ الفجورِ العذبةْ

أنا ولدُكِ البَرُّ بهذا الليلِ الطويلْ
وبهذا الحزنِ الطويلْ
أنا نديمُ طاولِتكِ المُدمّاةْ
وتَرٌ مبحوحٌ في صهيلك الجريحْ
غصنٌ مقطوعٌ من شجرَتِكِ فما زال يَحِنُّ
إليك..
ويشعرُ بما تشعرين…
ويفقِدُ ما تفتقدين…
سأقاسِمُك البومَ والعُواءَ وهذا الظلامَ الوفيرْ
وسأتكئُ على سيفِ أحزانيْ كاملاً
حتى تسيل من خاصرتي الدماءُ،
ولا تظنُّ السيوفُ في هذا المكانِ، أنها وحيدةٌ،
وأننا فرسانٌ جبناءُ وعاجزونْ.

يوما ما..
سأطيرُ إليك مهِيضَ الجَناحيْن،
وأعانِقُكِ كما يتعانقُ الجريحانِ في أرض المعركةْ…

وسوف ننامُ في جراحِنا
إلى أن يفنينا النور، ونصبحُ قطرتينِ داخلَ بعضٍ
نسقطُ على ورقةٍ من أوراق اللوزِ
ونتبخرْ..

أعدك أيتها النجمةْ!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock