كتاب وشعراء

ليس كل مانراه حقيقيا/بقلم الكاتبة المبدعة/ سلطانة الفراري

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

اقتربت منه وأمسكت بيده، لكنه لم يُبدِ أي رد فعل، وكأنه تمثال من جليد يرفض الذوبان. قالت له: “أنت”، لكنه ظل على حاله. حاولت هزه قليلًا، لكنه لم يتحرك، مما جعلها تشعر بالدهشة. ظنت أنه ربما خجل من مظهره، فقالت بلطف: “أنا هنا للمساعدة، فلا داعي للخجل”. لكنه استمر في الجمود. حاولت أن تبدأ حديثها بالمداعبة، فقالت: “أنت، أيها البروفيسور، لا يتحدث اللغات بهذه الطلاقة إلا شخص غير عادي”. مدت يدها محاولةً سحبه نحوها، لكنها صعقت مما رأته . شعرت وكأن الدم قد تجمد في عروقها، وقبل أن تلتفت لتفر هاربة، أطلق الرجل المستجوب صفارة، وإذا بخمسة أشخاص آخرين يظهرون بنفس مظهره، وفي لحظة جنون، وقبل أن يدرك أحد ما يحدث، حدث شيء جعل السيدة مارجيت تسقط مغشيًا عليها.

عندما فتحت عينيها، وجدت نفسها في مكان يشبه السرداب، برائحة كريهة وفضلات متناثرة، وجثث مقطعة من مختلف الأعمار: طفل مسلوخ، وامرأة بلا رأس، ورجل بلا قدمين. كان وكأنها في عالم كامل من الرعب، حيث يمكنهم ارتكاب الجرائم دون خوف من العقاب. قاطع شرودها دخول الرجل الذي كان يأكل من برميل القمامة، والذي كان بعين واحدة والأخرى مقلوعة، وكأن أحدهم قد انتزعها بسكين. وخلفه، كان الآخرون مسوخ على هيئة بشر.

“ماذا تريدون مني؟” تساءلت في رعب.
فقال الرجل، الذي فقد عينه، بصوت خشن: “يا لكِ من امرأة مسكينة تتظاهرين بأنكِ تريدين مساعدتي.” فردت السيدة: “أنا حقًا كنت أود المساعدة.” فقهقه الرجل ضاحكًا بصوت عالٍ، وتقدم نحوها، مشيرًا لأصدقائه ليجهزوا السكاكين.

“هل تعلمين أنكِ الوحيدة التي شعرت حقًا برغبتها في المساعدة، لكنني لم أدرك ذلك إلا بعد فوات الأوان؟” ثم تابع: “ليس ذنبنا أننا أصبحنا فقراء ومتشرّدين، بل ذنبكم أنتم، فقد سخرتم منا وشتمتمونا، وصنعتم من معاملتكم وحوشًا تأخذ ثأرها من كل من يقترب منها. جعلتمونا نعيش في عالم موحش، نقتات على بقايا أجسادكم بدلًا من طعامكم. كنا نرغب فقط في سماع كلمات طيبة، لكنكم أجبرتمونا على سماع توسلاتكم. ليس عيبًا أن نمد يدنا لكم لنطلب المساعدة، بل العيب الحقيقي هو أن تسخروا منا وكأننا نجس، وأنتم قادرون على العطاء.”

أخذ سكينًا حادًا، وكان بريقها يتلألأ في عيني السيدة جوليت، لكنها لم تنبس ببنت شفة، ولم تتحرك، ولم تُظهر أي رد فعل. فصُدم الرجل وسألها: “لماذا لا تصرخين أو تخافين؟”

فأجابت: “لست خائفة، طالما أنني مددت يدي للمساعدة، لا للشماتة.” صاح الرجل بصوت مليء بالقهر: “كفى!” ثم أخذ يفكر قليلًا، وهي تراقبه،وقبل أن ينزل السكينه على نحرها صرخ قائلًا: “حرروا قيوده، ودعوها تذهب. وقبل أن تذهب، قال لها: “اسمعي، يا امرأة، لا تمدي يدك للجميع لتساعديهم، فبعض الأيادي التي تمتد للمساعدة قد تكون هي نفسها التي ستفتك بنا.”
______

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock