رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب :مخلوقات على حافة الهاوية

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

ــــ شخص بلا ضمير وحش أُطلق في الشوارع ، ألبير كامو.
قد تجلس الى جوار شخص في مكان عام في محطة قطار او مطار او مقهى وتشعر بطمأنينة غريبة ورائحة أزهار وانك تشرق دون ان تعرف من هو وبلا حوار ،
لكن قد يحدث العكس ان تجلس الى جوار شخص في الامكنة نفسها بل ربما تعرفه من سنوات لكنك تشعر بتهديد داخلي من رسائل الجسد وانذار بخطر وغالبا لا نصغي لرسائل الجسد.
هذا التوافق والنفور ليس عفويا ولا اراديا بل الانسان يمتلك صورة ذاتية داخلية تحدد التوافق والنفور في ثوان من خلال اشعة جسدية الى الاخر اضافة الى خبرات الشخص القديمة وغالبا ما نشعر بالنفور من شخص لا نعرفه او العكس دون وضوح الاسباب. الاشخاص الذين يفتقرون الى الضمير هم مصدر التهديد وحسب علماء تشريح الدماغ هناك بشر يولدون بلا مراكز للضمير لكنهم يمثلون ويحاكون تصرفات الاخرين من خلال الأقنعة أو تموت ضمائرهم بسبب عوامل اجتماعية كالأسرة والبيئة والمناخ الأخلاقي الذي يخلق ضمير السوء ويبرر كل الجرائم.
تاريخ ولادة الضمير أقدم من ولادة الحضارة ومن الثقافة وقد ولد في لحظة الشروق الاولى للبشرية يوم ركض الانسان الاول لتضميد جراح آخر: تلك اللحظة المفصلية في التاريخ البشري مستمرة رغم كل التصدعات وافعال الشر من موتى الضمير.
الحضارات التي تأسست على الضمير والجمال والحب كالفرعونية والبابلية والاغريقية والسومرية مستمرة حتى اليوم في حين الامم والامبراطوريات التي تأسس على العنف والجريمة والكراهية زالت كالنازية والفاشية والنظم الشمولية.
غالباً ما يطرح أحدنا هذا السؤال على نفسه: لم بعض الأشخاص لا يعرفون الحياء الفطري أو الندم وحتى الاعتذار؟ نحن نعتقد ان هؤلاء يملكون القدرة على ذلك لكنهم أسرى لفقدان الضمير.
ولأننا لا نلجأ للعلم الذي توغل في العقل البشري ، نلجأ للتفسيرات السطحية أو الاخلاقية ونتوقف عندها لكن العلم الحديث كشف لنا عن حقائق مذهلة،
بعض البشر محكوم عليه بالقذارة وهو يتصرف تحت سلطة عقل مختل لكن بأقنعة شديدة التعقيد والمهارة والاخفاء.
من المؤسف ان هذا الكتاب ” بلا ضمير” الذي صار مرجعاً في الطب النفسي وتشريح الدماغ وفي الادب ودراسة الشخصيات وعالمها الذاتي الخفي،
لعالم النفس والاعصاب الكندي روبرت. د. هير Without Conscience: The Disturbing World of the Psychopaths Among Us خلاصة ربع قرن من البحث التجريبي الرائد والكشوفات المختبرية وصار مرجعا في الطب النفسي وغير مفهوم الشخصية في الادب والسينما والتربية والغى النظرة السطحية للانسان على انه جيد او سيئ في هذه الثنائية المبسطة ، مع الاسف هذا الكتاب غير مترجم للغة العربية عدا مقالات وتسجيلات على اليوتوب مع انه صار محفزا على انتاج البحوث والدراسات في هذا المجال: موت الضمير،
ومن عظمة البسطاء تحدثوا في الامثال عن” موت الضمير” أو عبارة” وجه صفيح” وهو الوصف الدقيق في علم النفس للسيكوباتي والنرجسي الخفي عديم الضمير الذي هو أقذر وأخطر مخلوقات الأرض وجريمة مستترة في أية لحظة وقدرة خارقة على التخطيط لسنوات وقد تعيش حياة كاملة مع هذا النموذج دون ان تعرفه ما لم تكن مطلعاً على علم” ثالوث الظلام (Dark Triad) هو مفهوم نفسي يصف ثلاث سمات شخصية سلبية متداخلة: النرجسية، المكيافيلية، والسيكوباتية” لا تظهر للعلن بل تتغطى بجاذبية سطحية وشخصية ودودة لكنه في الواقع كحيوان شرس في لحظة صيد وهو الوصف الطبي. هذا هو السبب ان الجرائم الاخيرة تحدث من وسط قريب من زوج او زوجة او صديق او جار او زميل في علاقة سنوات كانت الضحية تنام على وسادة تحتها عقرب أصفر قاتل.
يثبت روبرت في كتابه” بلا ضمير” عن طريق تشريح الدماغ
والصور المقطعية المؤكدة، إن بعض الاشخاص يولدون عضويا بلا ضمير،
أي ان مركز الضمير والعواطف والمشاعر والشعور بالندم والتعاطف
والتضامن غير موجود أو أصغر من حجم الدماغ السوي في الجانب الايسر من الدماغ ــ Amygdala القشرة اللوزية،
وهؤلاء يعوضون عن ذلك بالاقنعة والتلاعب والكذب، ويفعلون ما يتوقعه منهم الناس في الظاهر، ويعيشون على حافة الهاوية وتبني انبل الافكار النبيلة والعواطف الحارة وتقمص أجمل الأدوار من خلال مبادئ وقيم وعقائد كأقنعة،
لكنهم من أحقر ما في الكون من مخلوقات التي من الصعب اطلاق صفة بشر عليها لأنها لا تتمتع إلا بالشر من خلال حيل ومكائد وعقائد وأفكار كأقنعة،
مما يجعل إكتشافها صعباً جداً لقدرة كبيرة على المراوغة والطرق الملتوية وتشويش الضحية وجعلها تشعر بالذنب وخلق قصة زائفة لصرف الانتباه الخ من وسائل الانهاك والاستنزاف المدروس بدقة من خلال تجارب عريقة.
قد تعيش مع شخص من هذا النوع سنوات وسنوات دون أن تعرف أنه بلا
ضمير ما لم تكن على معرفة بعلم النفس والأمراض الخفية،
لقدرة هؤلاء على التخفي والمراوغة والاقنعة مع نسبة ذكاء مرتفعة توظف للشر وقد يقومون بأعمال بر كثيرة للتخفي ويصلون أعلى المراكز وحملة شهادات عليا حتى ان عالمة في علم النفس والاعصاب هيلين دويتش وضعت كتابا عن هذا الصنف” المحتال المقنّع” تقول انها إكتشفت ان هؤلاء حتى في محيط قريب لها وعندهم
قدرة على التخفي فريدة وتعدد هائل في الشخصيات ولكل شخص ومناسبة شخصية ولغة واهداف ومعايير.
في السنوات الأخيرة في العراق حدثت جرائم استثنائية وغالباً يكون القاتل أو الخائن من وسط قريب ، صديق أو زوجة أو زوج أو جار أو استاذ أو طبيب والخ، ونسمع ممن يعرفون المجرم عبارات مثل: هذا الانسان مؤدب، طيب، غير معقول يكون مجرماً، هادئ، ومحسن، ولطيف والخ.
هذه شبكة الصيد ونسيج العنكبوت. إن محاولة مخاطبة ضمائر هؤلاء تشبه مخاطبة ذئب في الكف عن أكل الخراف، عملية ميؤس منها لانعدام التام للضمير وعندما يتولى هؤلاء مناصب سياسية عليا ويناشدهم الجمهور بالضمير انما يطلبون من تمساح الغناء او تربية البلابل.
هم في السر أخطر من الذئاب لأن متعتهم تتضمن البحث عن اللذة
في الشر والأذى والألم وليس الشبع الذي تكتفي به الحيوانات المفترسة
والمتعة في الشر تطور خطير في السلوك المتوحش المبرقع
والتخطيط المجهري التفصيلي لكل خطوة وسلوك وكلمة وعلاقاتهم محسوبة كمعادلة حسابية من الاول للاخير والضحية تمثل دورا في سيناريو جاهز ومن مراحل منظمة تجري حسب خبرة وتجارب سابقة مثل كتاب مفتوح وكل شيء يتم بتلقائية لكثرة الممارسة.
البربري القديم يكتفي بالقتل بلا متعة. لكن الشر تطور وهو ليس نقيض الخير القديم بل نقيض الشر القديم لكن طبيعة الشر انه سطحي وضحل بلا عمق عكس الخير.
ترتفع نسبة هؤلاء في المجتمعات المغلقة القمعية التقليدية التي توفر غطاءً مثالياً للتخفي والتستر بسبب معتقدات وأفكار وثقافة التسامح
والتحمل ومنح الآخر فرصة والستر والعفو والصبر وحسن الظن وتربية مثالية
تصور الناس بصورة نموذجية مشرقة، وتتشابك مع هؤلاء عواطف حارة بدوافع متسامحة أو غير مدركة لا تعرف هذه المخلوقات الخفية السامة،
وقد يفوت الأوان غالباً عندما تكتشف الضحية أو الضحايا
انهم أمام نمط سلوكي منظم يجري بخطوات ثابتة بضمير معاق عضوياً،
وأمام حيوان مفترس في حالة قنص دائم ودراسة ضحيته، والتماهي والتطابق والتزلف معها حتى السيطرة والانقضاض،
وتكشير الأنياب وهنا تأتي صدمة الضحايا بعد فوات الاوان.
قبل روبرت هير واكتشافه المذهل بالصور وتشريح الدماغ، وصف البسطاء هذا الصنف بــــــــــــــ “وجه الصفيح” وهو وصف دقيق لانه بلا مشاعر وعواطف ومسطح وجامد وعيون زائغة متربصة تائهة في الفراغ كعيون نمر في حالة قنص ــــــــــ وهو وصف علماء ــــــــــ في السيكوباث، النرجسي الخفي، الذي لا يعرف الخجل ولا الندم واذا ندم او اعتذر فلانه مضطر والاعتذار العقلاني البارد وليس الوجداني الصادق.
يعتقد هذا الصنف أن من حقه خرق كل القواعد والقوانين والمبادئ لكن بسرية تامة وتخطيط مجهري لكل خطوة ومحادثة ويتباهي بهذه السفالات لتضخم الأنا ونظرة مكبرة للذات والسبب إنعدام الضمير المنبه وذات مشوهة ترى الناس بصورة مقلوبة ومخيفة لكنها مغطاة بدهاء مسرحي ولا تخشى سوى من الفضح والانكشاف وسقوط الاقنعة التي ترتكز عليها كل الشخصية وفي السقوط والانكشاف تنهار كل الدفاعات وتصبح في العراء وهو اقسى لها من الموت لكنه عقاب مشروع وعادل وقانوني واخلاقي لانقاذ الابرياء.
كل هذه الضحالة الاخلاقية تجري في السر بعيداً عن أقرب الناس اليه
والناس عنده أرقام بلا عواطف ولا مشاعر ويستبدل هؤلاء بأقل من مشقة تبديل الجوارب دون أن يلتفت الى الخلف
كحيوان مفترس إنتهى من الطريدة في انتظار قنص وصيد آخر وهو وصف علماء وشهادات ضحايا ومحاكم وشرطة، وعلاقاته مع الناس علاقته بمحطة تعبئة وقود وعلى الرف طابور طويل منتظر ولكل فرد شخصية ولغة واهداف واهتمامات حسب الاخر كما لو انك تتحدث مع حشد من الشخصيات في واحد ويتم الانتقال من شخصية الى اخرى بسلاسة كما لو من غرفة الى غرفة بسبب المران والتجارب والتكرار.
هؤلاء كما يقول البروفسور عالم الدماغ والاعصاب روبرت يعيشون حولنا ،
لكنهم يرتدون أجمل الأقنعة ويتبنون أفضل الأفكار في الظاهر،
مع جاذبية سطحية للتغطية، ونحن ندخل معهم في حوارات منظمة ومنسقة منهم حول المباديء والاخلاق والسياسة والشرف والاخلاص والحب والنظافة النفسية وكل العناوين الأخرى السوية وحتى في علاقات عاطفية،
مع أن هؤلاء أبعد الناس عنها والعيش معهم او قربهم يعني العيش على حافة الهاوية،
وهذه العناوين المتقمصة ليست سوى عدة الصيد وغطاء الفخ:
في السنوات الاخيرة بعد انتشار صفحات التواصل انتشرت ظاهرة جديدة لم تكن معروفة سابقاً وهي ” الاحتيال والنصب الثقافي والادبي” بتقمص اهتمامات ثقافية وادبية زائفة كواجهة للفخ والقنص وفي حوار مع طبيب نفساني عراقي قال لي ان هذه الظاهرة تتسع جداً وتخرق قواعد الثقة العائلية وتهدد الاسرة والمجتمع مما استوجب احداث مؤسسة الابتزاز الالكتروني من جهاز شرطة متخصص.
هذا الصنف كائن استعراضي نفاخ يعطي انطباعات مختلفة لكل شخص وممثل بارع لكنه من الداخل أجوف ومهزوز ويعيش في جحيم ومحرقة ودوامة نفسية لا تنتهي يغطي عليها بالتمسرح والكذب والاستعراض والانتفاخ المرضي والبحث عن اطراء .
عندما تكون في علاقة مع هذا الصنف المحتال ستشعر برسائل غامضة من أعماقك تنذرك بوجود تهديد وخطر،
لأن الجسد محاط بشبكة حماية عظيمة ومذهلة وخلايا رصد للطقس والخطر والمرض وكل علامات العالم الواقعي،
إصغ لهذه الرسائل قبل الانقضاض عليك وأنت في تمام فرحك وشغفك وبراءتك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock