كتاب وشعراء

لا يغيب …بقلم سعيد زعلوك

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

رسالة إلى بدر شاكر السيّاب

ظل يمشي فوق الرمال،
يبحث عن اسمه بين صمتٍ لم يُقْرأ بعد،
عن نبضة ماءٍ تتدرّب على الصوت،
عن نهرٍ يَحْفَظُ كل ما لم يُقال.

في بويب يلتقي الماء بالسماء،
تتشكّل خفقات قلبٍ لم يولد بعد.
المطر يهمس للحجر،
والريح تحتضن الغياب،
والنخيل يراقب كل سرٍّ لم يُكتب.

خطاك تتبعها الريح،
والقرى تعيد نبضك على أبواب مهجورة.
الغياب يصبح حضورًا،
والحروف تتدحرج على الحجر،
كأنها تعرف الطريق إلى من لم يُنسَ.

المطر الذي صرتَه لا يسأل عن أحد.
لكنه يروي الأرض والروح،
ويزرع في القلوب خضرةً تتجاوز كل كلمات.
يترك للريح ممرًّا من الضوء،
ويغني المكان بصوتٍ لم يسمع بعد.

عد… ولو بظلٍّ يهبط على وجه البصرة كندبة قديمة.
عد… ولو بصدى ينطق اسمك في الليل، ثم يغشاه الصمت.
عد… ولو بريح تمر على بويب فتنهض الأحجار من نومها.
ولتظل النخلة خضراء،
تحكي عنك لكل قلبٍ لم ينسَ.

تغيّر الشعر بعدك،
لكن المطر بقي،
يحفظ كل الحروف.
يزرع في النهر كل سرٍّ لم يرحل،
ويغني الأرض بصوتٍ لا ينقطع،
ويظل النهر يتذكر اسمك قبل كل صباح.

التراب ينصت،
والسماء تتكلم بصوت المطر.
الليل يمر فوق وجهٍ لم يُرَ،
وكل شيء يهمس: ما مضى لم يُنسَ.
كل غياب يحمل البذرة التي ستنبت من جديد.

كلما نزل المطر،
تذكّرنا السياب.
أصبح المطر أغنيةً لا تنتهي،
ونهرًا لا يعرف النهاية،
ونخلةً لا تعرف الخريف،
وأرضًا تحمل في كل قطرة ماء قصة وطن.

نم… فالتراب ينصت،
والريح تحمل اسمك.
المطر الذي صرتَه يزرع خضرةً في ذاكرة العراق.
يبقى مطرًا لا ينقطع في قلوب من أحبّوك،
ويبقى المطر صديقك الأبدي.
يحفظ ذكراك، ويروي الأرض والروح معًا.

في كل نهر، في كل نخلة، في كل قطرة ماء،
كما نحفظ الحب بعد الرحيل،
كما نحفظ المطر بعد عطش طويل،
كما نحفظ الحضور بعد الغياب،
وكما تبقى أيقونة لا تعرف النهاية.

وفي اللحظة الأخيرة،
تعلو الريح،
ويهطل المطر كقصيدة أخيرة،
تسري في العروق،
وتترك للسماء والأرض
معًا،
اسمك ينبت في كل قلبٍ يحنّ،
كأن السياب لم يرحل أبدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock