إدريس آيات يكتب :هبوط اضطراري أم مهمة سرية؟ تحالف دول الساحل ونيجيريا على حافة أزمة جديدة

حاليًا؛ تحتجز بوركينا فاسو أحد عشر عسكريًا نيجيريًا بمدينة بوبو-ديولاسو جنوب غربي البلاد، وذلك عقب هبوط اضطراري لطائرتهم أثناء وجودها داخل المجال الجوي التابع لبوركينا فاسو ، وبالتالي دول الساحل (AES)، في حادثة تصفها واغادوغو بأنها اختراق غير مُصرّح به للأجواء الكونفدرالية.
وعليه، أدانت كونفدرالية تحالف دول الساحل (AES)، التي تضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ما وصفته بـ«الانتهاك الجسيم» للمجال الجوي الكونفدرالي، عقب دخول الطائرة العسكرية النيجيرية من طراز C-130 الأجواء البوركينابية دون إذن مسبق. واعتبرت الكونفدرالية الحادث خرقًا مباشرًا للسيادة الجوية في منطقة شديدة الحساسية أمنيًا وسياسيًا.
وأوضح بيان التحالف أن الطائرة النيجيرية اضطرت إلى هبوط اضطراري في مدينة بوبو-ديولاسو، نتيجة طارئ فني أثناء التحليق، وكانت تقل أحد عشر عسكريًا، بينهم فردا طاقم وتسعة جنود. غير أن التحقيقات التي باشرتها السلطات البوركينابية خلصت إلى عدم وجود أي طلب عبور أو تصريح رسمي يجيز دخول الطائرة المجال الجوي لدولة عضو في التحالف، ما دفع الكونفدرالية إلى توصيف الحادث كعمل غير ودي ومخالف لقواعد الطيران الدولي، المدنية والعسكرية على السواء.
وشدد التحالف على أن تكرار مثل هذه الحوادث من شأنه تعقيد المشهد الإقليمي ودفعه نحو مزيد من التوتر، مؤكدًا أن حماية المجال الجوي تشكل أولوية سيادية لا تقبل المساومة. ويأتي ذلك في سياق متزامن مع حراك عسكري نيجيري في بنين، عقب عقب مُحاولة انقلابية فاشلة، وما تبعها من حديث عن تنسيق مع آليات إيكواس بطلب من حكومة كوتونو. وقد عمّق هذا التزامن الشكوك لدى دول التحالف، خاصة في ظل العلاقات المتوترة مع نيجيريا منذ انسحاب دول الساحل من إيكواس في يناير 2025 وتوقف قنوات التواصل الرسمية.
وبناءً على توجيهات قادة دول الكونفدرالية، أُعلنت حالة تأهب جوي قصوى، استنادًا إلى قرار سابق (22 ديسمبر 2024) يجيز التعامل مع أي طائرة تخترق الأجواء دون تصريح—بما في ذلك تحييدها عند الضرورة. وفي هذا الإطار، أكد رئيس الكونفدرالية ورئيس المرحلة الانتقالية في مالي، الجنرال أسيمي غويتا، أن احترام السيادة الجوية شرط أساسي لعلاقات حسن الجوار، وأن التحالف لن يتسامح مع أي خرق غير مبرر
غير أنّ التفسير النيجيري أتى أقل من أربعٍ وعشرين ساعة، إذ أوضحت القوات الجوية النيجيرية، في بيان صدر صباح الثلاثاء، أن طائرة النقل من طراز C-130 لم تكن بصدد تنفيذ أي مهمة عملياتية في دول الساحل، بل كانت في رحلة عبور نحو البرتغال، قبل أن يطرأ خلل فني أثناء التحليق. ووفق البيان، التزم الطاقم بالإجراءات الدولية المعمول بها، وحوّل مساره إلى أقرب مطار آمن، وهو مطار بوبو-ديولاسو، في بوركينا فاسو للهبوط الوقائي.
وأكد المتحدث باسم القوات الجوية النيجيرية، القائد إيهيمن إيجودامي، أن الطاقم بصحة جيدة، وأن السلطات المحلية استقبلته دون تسجيل أي حادث، مشيرًا إلى أن الترتيبات جارية لإعادة إقلاع الطائرة فور استكمال الفحوصات الفنية اللازمة. كما أشادت القوات الجوية النيجيرية بتعاون السلطات البوركينابية، مؤكدة التزامها الصارم بقواعد السلامة الجوية.
إلاّ أنّ مراقبين محسوبين على دول تحالف الساحل ، رفضوا قبول هذا التبرير بوصفه غير منطقية.
▪️تفكيك المشهد:
تباينت القراءات عقب الحادث. فمعسكر داعمي تحالف الساحل رأى في الحادثة مهمة استطلاعية غير معلنة، وطرح تساؤلات حول تعطيل أجهزة الاتصال، وذهب بعضهم إلى ربطها بدورٍ نيابي لنيجيريا لصالح أطراف غربية—لا سيما فرنسا لجمع معلومات عن دول الساحل والإضرار بحكومة إبراهيم تراوري. في المقابل، أكدت نيجيريا وحلفاؤها أن الرحلة كانت عابرة نحو البرتغال وأن الهبوط جاء بفعل عطل فني، دون نية اختراقية.
غير أن السؤال الجوهري الذي بقي بلا جواب هو: لماذا لم يُطلب الإذن المسبق لعبور الأجواء أو للهبوط الاضطراري في بوركينا؟ فحتى في حالات الطوارئ، يظل الإخطار الإجرائي ممكنًا ومعتادًا. غياب تفسير تقني مُقنع من أبوجا فتح الباب أمام سيناريوهات أكثر تشددًا، وإن كان من الثابت أن فرنسا أو إيكواس لا تحتاجان لعمليات فجة كهذه لجمع معلومات عن دول الساحل.
على الجانب الآخر، يظهر بوضوح أن تحالف دول الساحل يتعامل بحساسية مضاعفة مع أي اختراق جوي بعد انسحابه من إيكواس، ويفسر مثل هذه الوقائع كتهديد محتمل. وهو ما يفسر تشديد النيجر الرقابة الحدودية مع نيجيريا وقرارها فرض تدقيق صارم على الواردات من نيجيريا كخطوة احترازية—لا سيما بعد إفشال محاولة انقلابية في بنين المُجاورة مؤخرًا.
▪️الخلاصة:
رغم أنها أول أزمة أمنية-دبلوماسية بارزة بين إيكواس وتحالف الساحل منذ الانسحاب من المجموعة ، فإن التصعيد العسكري غير مرجح. فإيكواس تبدو واقعيًا متقبلة لمسارات الحكم القائمة في دول الساحل، ولا مؤشر على نية لفرض تغيير قسري. في المقابل، يستثمر كل طرف الحادثة دعايًا لتعزيز موقعه التفاوضي. والأرجح أن احتواء الأزمة سيتم خلف الأبواب المغلقة، عبر قنوات إقليمية غير معلنة، لتفادي انزلاق المنطقة إلى مواجهة لا مصلحة لأي طرف فيها.









