غير مصنف

هَجْعَة.. قصة قصيرة بقلم الكاتب: حسين بن قرين درمشاكي

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

كانت غيوم سوداء تُغطِّي سماء التلَّة ما يُنبئ بقرب هطول أمطار غزيرة.
بالجوار جلس “بلال” القرفصاء مُرتدياً ثوباً بلون أبيض تتخلَّله خطوطٌ سوداء داكنة؛ يُراقب عن كثب قطيعه الذي راح يرتع ملتهماً الحشائش اليابسة.
أوقد ناراً صغيرة من أغصان شجرة الطلح، ثم ملأ ابريق الشاي بالماء ووضعه على الجمر.
فجأةً تهاوت صخرةٌ من سقف كهف قديم كان في غابر الزمن بيتاً يتَّخذه الرعاةُ ملجأ يقيهم برد الشتاء القارس وحرَّ الشمس الحارقة، وكادت أن تسقط على رأسه لولا أن عاد بثقله ساحباً رجيله إلى الوراء لتتدحرج إلى أسفل الجرف الذي يشقُّ الجبل حتى عمق الوادي، مُحدثةً صوتاً مثل الرعد، ومثيرةً سحابةً كثيفةً من الغبار بلون الرماد.
حين همَّ بالوقوف أبصر جنِّيَّة ترضع طفلها من ثدييها المُعلَّقين على جذع شجرة أتل هرمة.
كانت مُمسكةً بجفنة كبيرة مليئة بالدماء يخرج منها أشباح رؤوسها تتدلَّى من تحت أرجلها وكأنَّها خفافيش.
اقتربت منه وشرعت تغمس أصابع يدها في ابريق الشاي وتلعقها مُتلذِّذة بطعمه.
غضب وسكب الإبريق على موقد النار ، ثم أدخل يده إلى جراب على كتفه واستلَّ منه مزماره وبدأ يعزف لاستدراجها إلى حيث يتمكَّن من إصابتها بسكينه الحادَّة.
راحت الجنِّيَّة تتمايل على إيقاع الموسيقى، وهي تقترب منه وحين صارت
بمحاذاته بصقت على وجهه، وصفعته على صدغه، واختفت في لمح البصر.
وكم شعر بغبطة أنه كان مجرَّد حلم حين أفاق على صوت زوجته وهي تلكزه على ركبته: قمْ يا رجل تناول غداءك قبل أن يبتعد القطيع!.

حسين بن قرين درمشاكي
كاتب وقاص ليبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock