الفارس الذي أرعب الروم وهو عاري الصدر

في ليلةٍ ظلماء، تتلألأ فيها النجوم كأنها عيون ترقب مولد بطلٍ، وُلد ضرار بن الأزور، الذي صار فيما بعد أسطورةً تُروى على كل لسان.
كان #ضرار في الجاهلية سيدًا لا يُدانيه أحدٌ في جاهٍ ولا مال؛ يملك ألف بعيرٍ مع رعاتها، وشعره يقطع القلوب أسرع من سيوفه. إذا ذُكر اسمه في مجلسٍ ارتعدت فرائص الأعداء، وإذا ركب جواده اهتزت الأرض تحت حوافره.
لكن ذات يومٍ سمع نداءً أعمق من صوت الشهرة وبريق الذهب. ترك كل شيء، ومضى إلى المدينة بخطى الواثق، فبايع النبي ﷺ.
نظر إليه الحبيب بعينٍ تملؤها الابتسامة وقال:
«ربح البيع يا ضرار.. وما غُبنت صفقتك!»
فكأنما أُعطيَ ضرار تجارةً مع الله لا تنكسر ولا تخيب أبدًا.
من يومها صار ضرار سيفًا من سيوف الله المسلولة.
أرسله النبي ﷺ ذات مرةٍ لصد غارة بني أسد، فعاد وقد علّمهم درسًا لم ينسوه.
ثم توالت الغزوات:
– في حروب الردة كان جبلًا لا يهتز، وفي اليمامة أصيب في ساقيه فجثا على ركبتيه وواصل القتال كأن الجراح زادته قوة، ثبت المسلمين حتى تحقق النصر.
– في فتوح الشام صار عاصفةً لا تُبقي ولا تذر.
وفي يوم أجنادين كُتب لضرار أن يصنع ملحمةً لا تُمحى:
انطلق وحده نحو جيش الروم كأن الأرض كلها قد ضاقت بغيظه. ضرب يمنةً ويسرة، فتكسرت الصفوف أمامه كقصبٍ يابس. خرج إليه أبطالهم وقادتهم واحدًا بعد واحد، فما عاد منهم أحدٌ إلا جثةً هامدة.
ثم لاحقته كتيبةٌ من ثلاثين فارسًا، فخلع درعه وقميصه وألقى ترسه، وصار كالبرق المجرد من كل ثقل. هجم عليهم كالإعصار، فقتل منهم حتى ملأ الأرض، وفر الباقون يصرخون:
«الشيطان عاري الصدر! الشيطان عاري الصدر!»
وفي قلب المعركة نفسها تقدم قائد الروم العظيم وردان. دارت بينهما مبارزةٌ هزت الأرض، ثم اخترق رمح ضرار صدر وردان، وأتم سيفه ما بدأه الرمح، فعاد ضرار برأس القائد يرفعه عاليًا، والمسلمون يهللون «الله أكبر» حتى ارتج السماء.
وفي مرج دهشور خرج بولص قائد الروم يطلب ثأر وردان. التقيا، وما إن لامس سيف ضرار رقبة بولص حتى صرخ الرجل مذعورًا مخاطبًا خالد بن الوليد:
«اقتلني أنت يا خالد.. لا تدع هذا الشيطان يقتلني!»
فأجابه خالد بابتسامةٍ باردة:
«بل هو قاتلك وقاتل الروم جميعًا».
فسقط بولص، وانتهى الثأر قبل أن يبدأ.
وفي اليرموك، حين بايع #عكرمة بن أبي جهل وأربعمائة من خيرة الصحابة على الموت، كان ضرار أول المبايعين. قاتلوا حتى استشهد الجميع إلا هو، ثم وقع أسيرًا. لكن المسلمين أغاروا على معسكر الروم وفكوا أسره، فعاد كما يعود الأسد إلى عرينه.
شارك في فتح #دمشق إلى جانب سيف الله خالد بن الوليد، يترك وراءه في كل أرضٍ دماءً وذكرى لا تموت.
وأخيرًا، في غور الأردن وافته المنية، يُرجح أنه استشهد في طاعون عمواس، فدُفن هناك.
لكن اسمه لم يُدفن.
بقي ضرار بن الأزور حيًّا في القلوب:
فارسًا لا يُضاهى، شاعرًا يضرب بسيفه وينظم بلسانه، رجلًا باع الدنيا كلها في صفقةٍ واحدةٍ مع الله..
فربح، وما غُبن أبدًا.
رحم الله ضرار بن الأزور، سيفًا من سيوف الله،









