تاريخ العرب

قصة الخيانة في قلعة الجبل: نهاية أمير المماليك البحرية

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

كان فارس الدين أقطاي مملوكًا تركي الأصل، اشتراه التجار في أسواق دمشق، ثم ألحقه القدر بخدمة السلطان الصالح نجم الدين أيوب. صار جمدار السلطان – أي حامل ثيابه وموكل أمره الخاص – فاشتهر بلقب “أقطاي”، وارتقى سريعًا حتى أصبح أميرًا عظيمًا، ومقدم المماليك البحرية، تلك الفرقة الشرسة التي كانت عماد الجيش المصري.
في أيام الدولة الأيوبية الأخيرة، حين كانت مصر تواجه عاصفة الحملة الصليبية السابعة، توفي السلطان الصالح نجم الدين أيوب أثناء الحصار الصليبي على المنصورة. تولت الأمر بعده أرملته شجرة الدر، تلك الملكة الحديدية التي امتلكت قلبًا من نار وعقلًا من صخر. رفض أقطاي، بكبريائه المملوكي، أن يخضع لأوامر امرأة، مهما عظمت. فما كان من شجرة الدر إلا أن أرسلته إلى حصن كيفا البعيد، ليستدعي توران شاه ابن السلطان الراحل، ليجلس على العرش.
لكن القدر لم يمهله طويلًا. في معسكر جديلة جنوب #المنصورة، سقط الأمير فخر الدين يوسف، أتابك الجيش، شهيدًا في بداية المعارك. فتسلم أقطاي القيادة، وصار القائد الأعلى لجيوش مصر. وقف كالأسد يدافع عن المنصورة، جنبًا إلى جنب مع بيبرس البندقداري وإخوانه من المماليك البحرية والجمدارية، يصدون هجمات الصليبيين بشراسة حتى انكسرت شوكتهم وأُسر ملكهم لويس التاسع.
جاء توران شاه، لكنه أساء إلى المماليك، فقتلوه. تولت شجرة الدر الحكم لفترة قصيرة، ثم اختارت عز الدين أيبك زوجًا وشريكًا في الحكم. واستمر أقطاي في البروز: قاد الجيوش التي هزمت الناصر يوسف حاكم دمشق عند غزة، ثم سحقه مرة أخرى في معركة الكورة، وفي عام 1251 استولى على أجزاء من سوريا. وفي العام التالي، اشترك مع فارس الدين أقطاي المستعرب في إخماد تمرد العربان الذي قاده الشريف حصن الدين ثعلب في وسط مصر والصعيد. وأضيفت الإسكندرية إلى إقطاعاته، فازداد نفوذه وثروته، وصارت البحرية تسيطر على مفاصل البلاد. كان أقطاي يحلم بالسلطة، يعد نفسه لليوم الذي يخلو فيه العرش.
لكن النفوذ الكبير يثير الحسد، والقوة المفرطة تخيف السلطان. أحس عز الدين أيبك بخطر أقطاي المتزايد، فتآمر مع بعض المماليك المعزية. استدرجوه إلى قلعة الجبل بحجة الشورى، ثم اغتالوه غدرًا، وألقوا برأسه من أعلى القلعة إلى إخوانه البحرية الذين تجمعوا تحت الأسوار يطالبون بالإفراج عن زعيمهم.
في تلك الليلة المظلمة، فر المماليك البحرية من مصر مذعورين غاضبين، لجأوا إلى الشام والكرك وسلطنة الروم السلاجقة وبلاد أخرى. وكان بين الفارين رجال سيغيرون وجه التاريخ: #بيبرس البندقداري، وقلاوون الألفي، وغيرهما من الأبطال الذين برزوا في معركة عين جالوت وأسسوا دولة المماليك التي ستحكم مصر والشام قرونًا طويلة.
هكذا انتهت قصة #أقطاي، الجمدار الذي صار أميرًا ، ثم سقط ضحية طموحه وطموح غيره،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock