هذا العابر هو أنا …..بقلم محب خيري الجمال

هذا العابر هو أنا
عزيزتي ضوء،
بداية: صباح الخير
في الممرّ الضيّق
بين بابٍ لا يُغلق جيداً
ونافذةٍ تُطلّ على جدارٍ متعب
أقفُ أنا
لا تمثالاً، ولا ذكرى
بل جسداً يعرفُ كيف يشيخ واقفاً
في صباحٍ عادي
تتدلّى رائحة القهوة من شرفةٍ مجاورة
وتسعل الحافلة عند الإشارة
ويمرّ بائع الخبز
كأنه يحمل النهار في كيسٍ ورقي
أنا هنا
أجمعُ هذه التفاصيل
كما يجمع طفلٌ حصى مختلفة
لا لشيء
إلا لئلا تضيع
أنا ابنُ الأصوات الصغيرة
صوت المفتاح حين يخطئ القفل
صوت الهاتف وهو يرنّ في غرفةٍ فارغة
صوت الماء
حين يتردّد قبل أن يسقط
أعرفُ هذا العالم
من ارتجافه اليومي
لا من خرائطه
شهدتُ أشياء لا تُدوَّن
انكسارَ كوبٍ في مطبخٍ ضيّق
دمعةً سقطتْ على فاتورةٍ غير مدفوعة
ضحكةً خرجتْ خطأً
في جنازةٍ مزدحمة
شهدتُ كيف ينهزم الإنسان
حين يواجه المرآة صباحاً
وكيف ينتصر
حين يربط حذاءه ويخرج
عزيزتي ضوء،
الزمن لا يمرّ هنا كالنهر
بل يتعثّر
يعود ليبحث عن مفاتيحه
ينسى اسماً
ويتوقّف ليعدّل وضعَ صورةٍ قديمة
أنا أعرفه
من تجاعيد الانتظار
ومن الضوء الذي يتأخر خمس دقائق
كل مساء
رأيتُ الحبّ
ليس كما في الأغاني
بل في يدٍ تُمسك يدَ أخرى
أمام صيدليةٍ ليلاً
وفي رسالةٍ قصيرة
تُكتب بسرعة
لأن البطارية توشك أن تنطفئ
رأيتُ الغضب
في طابورٍ طويل
وفي عينِ سائقٍ
تعلّم الشتائم من الزحام
ـ ابن الكلب
شتمني بأمي لأني حاولت إزالة أسنان الإسفلت من الإطار الأمامي ـ
أنا شاهدُ الخيبات الصغيرة
التي لا يُقيم لها أحدٌ عزاء
وظيفةٌ لم تأتِ
مكالمةٌ لم تُرد
قصيدة أتعبتني في غرفة التشريح
كرسيٌّ شاغر
في مقهى اعتاد الضحك
كلّها تمرّ
وتجلس قليلاً ثم تغادر دون وداع
تعرّضتُ للنقل
من شارعٍ إلى شارع
من فكرةٍ إلى فكرة
سحبتني الأيام من كتفي
وقالت: تعال
جرّبتُ الوحدة في غرفٍ مشتركة
والازدحام في قلبٍ واحد
ربطتني المسؤوليات بحبالٍ غير مرئية
وسرتُ لأن السير أسهل من الشرح
حرستُ أحلاماً لم تنضج
ووقفتُ عند أبواب لم تُفتح
وتحت مطرٍ خفيف
كنتُ أعدّ خطواتي كأنها دليلُ وجودي
الريح هنا لا تحمل نبوءات
بل غبارَ الأرصفة
وأوراقَ الإعلانات الممزّقة
عزيزتي ضوء،
القطط تعرفني والعجائز في الحي
والشجرة التي لم تُثمر بعد
حتى الليل حين يتعب يجلس بجانبي
ونتبادل الصمت
أنا لستُ أسطورة ولا بقايا زمنٍ بعيد
أنا هذا العابر الذي يتذكّر ويواصل
يبني معنىً صغيراً
من حياةٍ يومية
حية
بسيطة
وعنيدة
مثل رغيفٍ ساخن
يُقاوم البرد
بيدٍ واحدة.








