الأثر الأخير…بقلم هدي حجاجي

كان السؤال مكتوبًا على الجدار منذ زمنٍ لا يذكر متى بدأ يراه:
ماذا بعد الحياة إلا الموت؟
لم يكن السؤال مخيفًا، بل باردًا… كحقيقةٍ لا تحتاج إلى جدال. كان يمرّ أمامه كلّ يوم، يقرأه كما يقرأ ساعة الحائط، ثم يمضي. حياته تسير بلا ارتباك: عملٌ يؤديه، وجوه تتكرّر، أحاديث لا تترك أثرًا. لم يكن حزينًا، ولا سعيدًا؛ كان فقط موجودًا.
في مساءٍ رمادي، تعثّرت امرأة مسنّة أمامه وسقطت. توقّف بلا تفكير، حملها، وأجلسها على الرصيف. كانت يدها خفيفة كأنها تتعلّق بالحياة من أطرافها الأخيرة. تمتمت وهي تحاول التقاط أنفاسها:
— لا أريد أن أموت الآن… لم أقل كلّ ما يجب أن يُقال.
ارتبك. لم يعرف لماذا اخترقته الجملة بهذه القسوة. انتظر الإسعاف، ظلّ ممسكًا بيدها حتى ابتعدت السيارة، ثم أكمل طريقه مختلفًا عمّا كان.
عاد إلى غرفته، وقف أمام الجدار، قرأ السؤال مرّة أخرى. هذه المرّة لم يبدُ مكتملًا. شعر أنّ شيئًا ما ينقصه… إجابة، أو شجاعة. تناول قلمًا، وتحت العبارة كتب كلمة واحدة:
الأثر.
جلس طويلًا يتأمّلها. فهم أخيرًا أنّ الموت نهاية لا مهرب منها،
لكن الحياة ليست عدد الأيام، بل ما نتركه في قلوب الآخرين حين نمضي.
في تلك الليلة، أطفأ الضوء، ونام بهدوءٍ لم يعرفه من قبل،
لأنّه أدرك أنّ الأثر… هو ما يؤجّل الموت داخلنا.









