عُبيدةُ بنُ الحارثِ بنِ عبدِ المطّلبِ

عُبيدةُ بنُ الحارثِ بنِ عبدِ المطّلبِ، أبو الحُسينِ القرشيُّ الهاشميُّ، من أوائلِ من آمنَ بمحمّدٍ ﷺ، ومن أشرافِ قريشٍ نسبًا، ومن أقدمِ أصحابِهِ صُحبةً، ويقال انه كانَ ابنَ عمِّ النبيِّ ﷺ، وأخاهُ من الرّضاعةِ، فكانَ أحبَّ إليهِ من كثيرٍ من بني عمومتِهِ،
كان عُبيدةُ — رضي الله عنه — من بني هاشمٍ، ولدَ قبلَ البعثةِ بسنينَ، وكانَ من النّاسِ ذوي الشّرفِ والمكانةِ في قريشٍ، وأسلمَ في أوّلِ الإسلامِ، حين دعا النبيُّ ﷺ أهلَ بيتهِ، فكانَ من أوائلِ مَن أجابَ، فهاجرَ إلى المدينةِ، وآخى النبيُّ ﷺ بينَهُ وبينَ مصعبِ بنِ عُميرٍ، وكانا في وُدٍّ عظيمٍ.
ولمّا خرجَ المسلمونَ إلى **غزوةِ بدرٍ** الكبرى، وكانَتْ أوّلَ مواجهةٍ بينَ الحقِّ والباطلِ، خرجَ عُبيدةُ بنُ الحارثِ في جيشِ رسولِ اللهِ ﷺ، وفي اليومِ الأوّلِ من المعركةِ، تقدّمَ ثلاثةٌ من قريشٍ يطلبونَ المبارزةَ: عُتبةُ بنُ ربيعةَ، وشيبةُ بنُ ربيعةَ، والوليدُ بنُ عُتبةَ، فقامَ إليهم ثلاثةٌ من المسلمينَ: حمزةُ بنُ عبدِ المطّلبِ، وعليُّ بنُ أبي طالبٍ، وعُبيدةُ بنُ الحارثِ.
فبارزَ عُبيدةُ عُتبةَ بنَ ربيعةَ، وكانَ عُتبةُ من أشجعِ قريشٍ وأقواها، فتبادلا الضّرباتِ، فجرحَ كلٌّ منهما صاحبَهُ، حتّى قُطِعَتْ **ساقُ عُبيدةَ** من الضّربةِ، فقامَ لهُ حمزةُ وعليٌّ، فقتلا عُتبةَ، وحملا عُبيدةَ إلى خيمتِهِ، وهو ينزفُ، فلمّا رآهُ النبيُّ ﷺ، بكى، وقال: «أخي، وابنُ عمّي، وسيفُ اللهِ المسلولُ».
وظلَّ عُبيدةُ جريحًا أيّامًا، يُعالَجُ في معسكرِ المسلمينَ، حتّى تُوفِّيَ **في اليومِ الثامنِ من غزوةِ بدرٍ**، شهيدًا في سبيلِ اللهِ، أوّلَ شهيدٍ من المُهاجرينَ في الإسلامِ، ودُفنَ في أرضِ بدرٍ، حيثُ رُفِعَتْ لهُ قبّةٌ صغيرةٌ، فكانَ أوّلَ من دُفنَ فيها من الشّهداءِ.
وكانَ رسولُ اللهِ ﷺ يُعظِّمُ شأنَهُ، ويُكرِمُ ذِكرَهُ، فلمّا مرّ على قبرِهِ وهو راجعٌ من بدرٍ، قال: «السّلامُ عليكَ يا عُبيدةُ، أنتَ أوّلُ من سلَّ سيفًا في سبيلِ اللهِ منّا، وأوّلُ شهيدٍ منّا في هذا اليومِ».
وكانتْ وفاةُ عُبيدةَ عظيمةَ الأثرِ على بني هاشمٍ، وعلى النبيِّ ﷺ خاصّةً، فقد فقدَ ابنَ عمِّهِ، وأخاهُ من الرّضاعةِ، ورفيقَ دربِهِ الأوّلِ، لكنّهُ كانَ يعلمُ أنّهُ ذهبَ إلى الجنّةِ، فكانَ يقولُ: «رَأيتُ عُبيدةَ في الجنّةِ، يَسيرُ على نهرٍ من عسلٍ، معهُ حورٌ عينٌ».
ولم يُتركْ عُبيدةُ بعدَ شهادتِهِ، بل كانَ النبيُّ ﷺ يدعو لهُ في صلاتهِ، ويقولُ: «اللهمّ اغفرْ لعُبيدةَ بنِ الحارثِ، وارحمْهُ، وجنّبهُ عذابَ القبرِ»، رواهُ ابنُ إسحاقَ في “السّيرةِ”، وسندُهُ معتبرٌ في المغازي.
وكانَ عُبيدةُ — رضي الله عنه — من أصحابِ النّخوةِ والشّجاعةِ، لم يخضَعْ لقريشٍ، بل خرجَ منها بالإيمانِ، وناصرَ النبيَّ ﷺ حينَ خذلهُ الأقربونَ، واستقبلَ السّيفَ حينَ فرَّ الآخرونَ، فكانَ مثلَهُ قولُهُ تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: 23].
ولم يُروَ أنّهُ تركَ أولادًا، بل ذُكرَ أنّهُ لم يُولَدْ لهُ، فبقيَ ذِكرُهُ في صحيفتِهِ، لا في نسلِهِ، وهذا من فضلِ اللهِ على مَن أحبَّهُ، أن يجعلَ أثرَهُ في الدينِ، لا في الدّنيا.
وقد قالَ ابنُ كثيرٍ في “البدايةِ والنّهايةِ”: «عُبيدةُ بنُ الحارثِ من السابقينَ الأوّلينَ، شهدَ بدْرًا، واستُشهِدَ بها، وكانَ من أهلِ الفضلِ والشرفِ، ولهُ ذِكرٌ عظيمٌ في السّيرةِ».
وقالَ الذهبيُّ في “سِيرِ أعلامِ النّبلاءِ”: «أوّلُ شهيدٍ من المُهاجرينَ، شجاعٌ، صادقُ الإيمانِ، قليلُ الكلامِ، كثيرُ العملِ».
فكانَ عُبيدةُ مثالَ المؤمنِ الذي لا ينتظِرُ أن يُؤمَرَ، بل يَتقدّمُ حينَ يرى الحقَّ في حاجةٍ إلى سيْفٍ، فلا يُبالي إن قُطِعتْ رجلُهُ، ما دامَ الحقُّ ينتصِرُ، ولا يخشى الموتَ، ما دامَ طريقُهُ إلى الجنّةِ.
واليومَ، وقد مرَّتْ قرونٌ، لا يُذكَرُ عُبيدةُ إلاّ مع بدْرٍ، ولا تُذكَرُ بدْرٌ إلّا معهُ، فخلّدَ اللهُ اسمَهُ في كتابِهِ بفعلِهِ، لا بقولِهِ، فكانَ من الذينَ «جاهدوا بأموالِهم وأنفسِهم في سبيلِ اللهِ»، فاستحقّوا أن يقولَ اللهُ فيهم: ﴿أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: 4].
أيُّها القارئُ الكريمُ، هل لديكَ أسئلةٌ دينيةٌ أو سِيريةٌ تُريدُ أن نُجيبَ عنها؟ أو هل هنالكَ صحابيٌّ تَرغبُ أن نُفصِّلَ في سيرتِهِ في منشوراتِنا القادمةِ؟ فلا تتردَّدْ في إخبارِنا، فإنَّنا نسألُ اللهَ أن ينفَعَ بهذا العلمِ، وأن يجعلَهُ خالصًا لوجهِهِ الكريمِ. ولا تنسَ أن تُشارِكَ هذا المنشورَ، فقد يكونَ سببًا في إحياءِ ذِكرِ أوّلِ شهيدٍ من المُهاجرينَ، أوّلُ من سلَّ سيفًا في سبيلِ اللهِ.









