حين تقول لي الوطن.. أنت تكذب…..بقلم محب خيري الجمال

حين تقول لي الوطن
أبحث عن يديّ
فأجدهما مكسورتين في جيوب الآخرين.
الوطن ليس كلمة تُعلّق على الجدار
ولا نشيدا يعرف طريقه إلى الحناجر
أكثر مما يعرف طريقه إلى الخبز.
الوطن ذلك الشيء الذي يُفترض
أن ينتظرني حين أعود،
لكنه يغيّر القفل
كل مرة أتعلم فيها اسمي من جديد.
حين تقول لي الوطن
أتذكّر أمي وهي تقسّم القلق
على أيام الأسبوع،
وتترك يوم الجمعة بلا خوف
كي يبدو النور أقل إحراجا.
الوطن
كرسيّ مكسور في غرفة الانتظار،
نصعد عليه لنبدو أطول أمام الهزيمة،
ثم نسقط بلياقةٍ وطنية.
أنا لا أكره البلاد،
أنا فقط لا أثق بها حين تبتسم
وتُخفي يدها الأخرى.
الوطن
مدرسة تعلّمنا كيف نقف في الطابور
ثم تنسى أن تشرح إلى أين نمضي.
هو شرفة نلوّح منها للأحلام
حتى تصاب بالبرد
وتعود أدراجها إلى بلدانٍ أكثر دفئا.
حين تقول لي الوطن
أسمع صرير الملفات،
أنين الأختام،
خطوات موظف
يملك سلطة تأجيل حياتي
إلى إشعارٍ آخر.
الوطن
ليس الأرض،
الأرض صبورة ولا تحتاج إلى أعلام.
الوطن
ذلك التعب الذي نرثه دون وصية،
والذنب
الذي نتعلّمه قبل القراءة.
نحبّه كما نحبّ مرضا قديما،
نعرف أعراضه ونخاف الشفاء منه
لأنه صار جزءا من الحكاية.
حين تقول لي الوطن
أرى قبورا بلا أسماء،
وأسماءً بلا أعمار،
وأحياءً
يتدرّبون على الغياب وهم واقفون.
الوطن
لغة تُخطئ في ترجمة وجعها،
فتسمّيه صبرًا
وتطلب منا التصفيق.
لا تسألني لماذا أغادر،
اسأل الباب
لماذا صار أضيق كلما كبر قلبي.
حين تقول لي الوطن.. أنت تكذب
ليس لأنك سيّئ،
بل لأن الكذبة
أصبحت أسهل من الحقيقة
التي تطلب
عدالةً
وكرسيا
ومكانا
نستطيع أن نضع فيه أرواحنا
دون أن تُفتَّش.









