د. هشام عوكل يكتب :لمن يحتاج الفلسطيني فعلًا

بعد كل هذا الدم، وبعد هذا الانهيار الأخلاقي والسياسي غير المسبوق، لم يعد السؤال من يدعم القضية الفلسطينية. بل صار السؤال الحقيقي المقلق والمحرج: من دمّرها؟ ومن يتاجر بها؟ ومن ترك الشعب الفلسطيني وحيدًا في مواجهة الموت؟
هل يحتاج الفلسطيني إلى الولايات المتحدة؟ أمريكا التي لم تكن يومًا وسيطًا بل شريكًا كاملًا في إدارة الصراع لصالح إسرائيل، وفي تسويق القتل تحت عنوان “الدفاع عن النفس”، وفي تحويل القانون الدولي إلى ديكور سياسي.
هل يحتاج الفلسطيني إلى الغرب؟ الغرب الذي يتقن البكاء على حقوق الإنسان في أوكرانيا ويبرّر إبادتها في غزة. الغرب الذي يرى الأطفال يُسحقون ثم يسأل ببرود: هل كان القصف متناسبًا؟
هل يحتاج الفلسطيني إلى العرب؟ العرب الذين صادروا القرار الفلسطيني حينًا وتخلّوا عنه حينًا آخر، ثم عادوا اليوم ليقدّموا له النصائح من فوق ركام صمته. العرب الذين اعتادوا استخدام فلسطين كشعار لا كالتزام، وكورقة ضغط لا كقضية مصير.
لكن كل هذا على فداحته لا يبرّئ الحقيقة الأشد قسوة: القضية الفلسطينية لا تُهزم فقط من الخارج بل تُستنزف من الداخل. هنا نحن بعد وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحماس وصل عدد الشهداء اكثر من 400 شهيد. هل تحرك راعي الهدنة ” امريكي ” ؟لوقف نزيف القتل اليومي تأكيد. لن يتحرك
خطاب مباشر بلا أقنعة إلى قيادة حماس
كفى تهوّرًا وكفى عبثًا بمصير شعب أعزل. المقاومة ليست مقامرة ولا مزاد بطولات ولا تفويضًا مفتوحًا للموت بلا حساب. من لا يحسب كلفة الدم الفلسطيني ولا يملك تصورًا لما بعد الدمار لا يقود مقاومة… بل يقود شعبًا إلى الهاوية ثم يطالبه بالصبر والتصفيق.
كيف يُفهم نداء خالد مشعل الأخير للإدارة الأمريكية لـ«فتح صفحة جديدة»؟
أليست الولايات المتحدة وفق خطاب حماس نفسه لعقود هي العدو المباشر للشعب الفلسطيني والراعي الأول لإسرائيل وشريكها في القتل والحصار؟
وأين ذهبت الحجج القديمة؟
ألم ترفض حماس الانضمام إلى منظمة التحرير بحجة أن المنظمة تسير في مسار تطبيع؟
فبأي منطق يُرفض إطار وطني فلسطيني، ثم يُطرَق باب واشنطن، راعية التطبيع نفسها؟هل يحق لحماس بعد أن شقّت المشهد الفلسطيني وعمّقت الانقسام، أن تفتح قناة منفردة مع الولايات المتحدة؟
وهل الهدف مراجعة سياسية مسؤولة… أم إعادة إنتاج التناقض، وتعزيز الانقسام تحت عناوين جديدة؟
وإلى السلطة الفلسطينية:
كفى ازدواجية وكفى إدارة للقضية بعقل الموظف لا بعقل التحرّر.
لا يمكن ادّعاء تمثيل الشعب الفلسطيني بينما يُختزل النضال في رواتب وتُختصر السياسة في تنسيق أمني ويُدار الاحتلال كـ«أمر واقع» لا كعدو
أيّ سلطة هذه التي تطالب الفلسطيني بالصمود بينما لا تملك لا أداة صمود ولا أفقًا سياسيًا؟
وأيّ شرعية تُستمد من مؤسسات جامدة وانتخابات مُعطّلة وقيادة تخشى شعبها أكثر مما تواجه الاحتلال؟
السلطة التي تُدين المغامرة العسكرية من جهة لكنها تعجز عن تقديم بديل وطني حقيقي من جهة أخرى لا تحمي الشعب ولا تمثّله.
ومن يكتفي بإدارة الأزمة بدل تغيير معادلتها في الضغة الغريبة يتحوّل من جزء من الحل إلى جزء من المشكلة.
كما أن احتكار القرار باسم «الشرعية»، دون تجديدها أو محاسبتها ليس استقرارًا سياسيًا… بل تعطيلٌ مقنّع للإرادة الشعبية.
سؤال زاوية حادة بسيط
التمثيل ليس شعارًا تاريخيًا ولا رصيدًا نضاليًا محفوظًا إلى الأبد. التمثيل مسؤولية أخلاقية قبل أن يكون موقعًا سياسيًا. ومن يفشل في حماية شعبه أو يستخفّ بحياته أو يراهن عليه في صراعات أكبر منه يسقط حقه في الادّعاء بأنه يمثّله.
القضية الفلسطينية اليوم لا تحتاج أمريكا ولا الغرب ولا العرب. تحتاج قيادة جديدة بعقل جديد وبوصلة أخلاقية وقرار وطني مستقل.
وإلى أن يحدث ذلك سيبقى الفلسطيني يدفع الثمن مرتين: مرة تحت القصف ومرة تحت قيادة لا ترى فيه إلا رقمًا في بيان
الكرامة المهدورة والمفارقة الفاضحة.
المفارقة التي تفضح الجميع أن إسرائيل بكل وحشيتها ستُطالب عاجلًا أم آجلًا باستعادة جثث جنودها، وستجعل من ذلك قضية وطنية وسيادية. أما الفلسطيني فيُطالَب بأن يبتلع فقدان أطفاله وأن يعتبر موته “ضريبة نضال” وأن يصمت احترامًا لـ”المرحلة”.
أيّ نضال هذا الذي لا يحمي شعبه؟ وأيّ قيادة هذه التي تتعامل مع الجثث كأرقام ومع البيوت كخسائر جانبية ومع الكرامة كترف مؤجل؟
زاوية حادة تسئل السؤال الذي لا مفر منه.
وهنا بعد كل هذا الخراب لا يبقى سوى السؤال الذي يحاول الجميع الهروب منه: هل ما زالت القيادة الفلسطينية الحالية بكل فصائلها ومؤسساتها مؤهلة لتمثيل شعب مكسور؟
التمثيل ليس شعارًا تاريخيًا ولا رصيدًا نضاليًا محفوظًا إلى الأبد. التمثيل مسؤولية أخلاقية قبل أن يكون موقعًا سياسيًا. ومن يفشل في حماية شعبه أو يستخفّ بحياته أو يراهن عليه في صراعات أكبر منه يسقط حقه في الادّعاء بأنه يمثّله.
القضية الفلسطينية اليوم لا تحتاج أمريكا ولا الغرب ولا العرب. تحتاج قيادة جديدة بعقل جديد وبوصلة أخلاقية وقرار وطني مستقل.
وإلى أن يحدث ذلك سيبقى الفلسطيني يدفع الثمن مرتين: مرة تحت القصف ومرة تحت قيادة لا ترى فيه إلا رقمًا في بيان









