كتاب وشعراء

حين صار اسمكِ مكان…..بقلم محب خيري الجمال

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

عزيزتي… ضوءٌ …. عزيزتي (..)
لا أعلم الآن بأي اسم أناديكِ
على العموم.. صباح الخير يا ……
غيابي لا يمشي نحوكِ،
أنا ثابتٌ هنا،
والذي يتحرّك هو العالم من دوني.
أراقبكِ من جهةٍ لا تصلها النوافذ،
وأرى كيف تتعلّم الأشياء فجأة
أن تنطق باسمكِ حين تخاف.
لم أمُت كما يُقال،
لقد خرجتُ فقط من الترتيب،
من سياق النهار،
وتركتُ جسدي ليشرح للتراب ما لم يفهمه الكلام.
أما أنا
فدخلتُ في التفاصيل الصغيرة التي لا ينتبه لها أحد:
في الفراغ الذي تتركه يدكِ
حين تمدّينها بلا سبب،
في الصمت الذي يسبق بكاءكِ ثم ينسحب خجلاً.
حتى اسمكِ لم ينجُ مني.
كنتُ أظنه كلمةً واحدة،
فاكتشفتُ أنه طريق له ظلال ومنعطفات.
الحرف الأول
كان خطوةً مترددة،
كأن الاسم لا يريد أن يكشف نفسه دفعةً واحدة،
ثم جاء حرف الياء في المنتصف لا كجسرٍ فقط
بل كمنعطفٍ حاد، يمدّ المسافة داخل الكلمة،
ويجعل الصوت يتأخر قليلا
كأن الاسم يفكّر قبل أن يكمل.
هناك تحديدا شعرتُ أنني أقف،
أنني أُستدعى،
وأن البقاء يمكن أن يكون حرفا يتوسّط الطريق
ويغيّر اتجاهه.
أما الهاء ففاجأتني، لكنها لم تكن الأجمل.
لم تلمع،
لم تشعل اللغة،
لم تقفز كشرارةٍ في الفم.
كانت أقلّ الحروف ضجيجا. وأكثرها قسوة.
حرفٌ يمرّ خفيفاً ثم يترك خلفه احتراقا صامتا،
كأن جماله مؤجّل،
أو كأنه لا يريد أن يُحَبّ بل أن يُصدَّق.
الهاء لم تغوِني،
لكنها أمسكت بالمعنى بقوةٍ لا تُرى،
ووقفت خلف القلب كظلٍّ عنيد
لا يحتاج إلى نار كي يشتعل.
وحين وصلتُ إلى النون في آخر الاسم
فهمتُه كاملا.
كانت نهاية مستديرة لا تُقفل المعنى بل تحتفظ به.
كأسٌ مملوءة حتى الحافة،
لا تُرفع كي لا تفيض، ولا تُترك
لأن العطش يعرف طريقه.
حرفٌ يجمع ما سبقه،
ويقول دون صوت: هكذا تنتهي الأشياء حين لا تريد أن تنتهي.
بعدها بدأتُ لا أثق فيكِ، لا لأنكِ خذلتِني،
بل لأنكِ اتّسعتِ أكثر مما أحتمل.
صرتِ أكبر من يقيني، وأصدق من شكوكي.
خفتُ أن تكوني الحياة نفسها وأنا مجرّد عابرٍ فيها،
خفتُ أن أثق
فأبقى،
أو لا أثق
فأضيع.
كان الشكّ محاولةً أخيرة لأحمي نفسي منكِ،
من هذا القرب الذي لا يترك للغياب عملا واضحا.
كنتُ أناديكِ المرأة الضوء،
البداية، كل شيء،
والآن لا أعرف أيّ من هذه الكلمات تنتمي إليكِ،
أو أيّها بقيتِ فيه، وأيّها ابتعد مع صمتكِ الطويل.
اسمكِ لم يكن تعريفا، كان تجربة،
وكان عليّ أن أغيب كي أفهمه،
وأن أخرج من الجسد كي أسكن الحروف.
البيت بعدي
لم ينهدم،
لكنه فقدَ قدرته على النسيان.
الكراسي تحفظ شكلي أكثر منكِ،
والأبواب لا تُغلق إلا وهي تنظر خلفها.
حتى الضوء صار أبطأ كأنه يخشى أن يوقظني.
أعرف كيف يمرّ غيابي عليكِ:
كملحٍ لا يُرى
لكنّه يغيّر طعم كل شيء.
الفرح يصل ناقصا ويجلس قربكِ مرتبكا،
لا يعرف أين يضع يديه.
والحزن لا يعلو صوته،
هو فقط يُعيد ترتيب قلبكِ مرةً بعد مرة
ليتّسع لي.
لا تحزني كما لو أنني بعيد،
البعيد هو ما لم يُحبّ.
أما أنا
فموجود في تعبكِ اليومي،
في ضحكتكِ التي تنكسر فجأة
كأنها تذكّرتني،
في الكلمات التي لا تقولينها
لأنها تشبهني أكثر مما يجب.
كبر غيابي، نعم،
تعلّم لغتكم، صار يعرف أسماء الأيام وأسباب الدموع،
وصار يشرح لكِ الحياة من جهةٍ أخرى:
أن الفقد ليس حفرة، بل امتلاءٌ مؤلم،
وأن من نحبّهم لا يغادرون،
هم فقط ينتقلون إلى الداخل
ويصيرون أثقل
وأصدق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock