غير مصنف

سليلة الحَسب الشّريف.. شعر: حسان علي الحسن

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

قالوا: الفصيحةُ، قلْتُ: إرْثُ بلادي
وعلاءُ أبنائي، ووجْدُ فؤادي
وسبيل أقوامي ورايةُ نهْجِهم
لبلوغِ مقصدهم، بخيرِ سَدادِ
إنِّي لَأفخرُ أنْ وقعتُ بشَركها
طوعاً أمامَ تبسُّمِ الصّيَّادِ!
منذ انبثاق الحرفِ عندَ المبتلَى
وأنا المضيّع في أسى أصفادي
من بعدِ إحجامِ البلاغة عن يدي
لمّا القصيدةُ للسّراب تنادي

كم مرّة سامرتُها مُتأمِّلاً
بثّ الخيالِ على شتاتِ رمادي!
لكنَّها ابتعدت خؤونَ مظالمي
إذ أعرضتْ لتصدَّ عن إمدادي
ماذا أقول لها ومثلي قد رمتْ
زمراً بسهمِ تغنّجٍ وعِنادِ؟
ستظلّ حارسةَ الجلالِ منيعةً
وأظلُّ مشدوداً لقلبِ جمادِ

هيَ بنتُ سامقةِ المرامِ مكانةً
هيَ أمُّ كلِّ مآثرٍ وتِلادِ
وسليلةُ الحسبِ الشّريفِ معالياً
إذْما شغوفٌ هامَ بالأجوادِ
هذي المليحةُ لا عقودَ تزينُها
للهِ، كمْ خابتْ يدُ العقّادِ!!
بقريشَ طاولتِ الرّواسيَ قامةً
وأعزَّ مرقاها لسانُ الهادي
نزلَ البيانُ بسرِّها إذْ أعْجزتْ
وتجاوزتْ تعويذةَ الحُسَّادِ
وبحسْبِ بارقةِ السّناءِ منارةً
لغةُ العطاشِ لجنّةِ الميعادِ

بالنّحْوِ سادتْ واسْتُظلَّ لواؤها
متدرّعاً بمبادئِ الأسيادِ
فمدارسُ العلْمِ استُثيرَ مُريدها
متدلّهاً بتآلفِ الأضدادِ
البصْرةُ الصّيداءُ زادُ مجالسٍ
والكوفةُ الغرّاءُ نبع الصّادي
ومثلّثات أبهرت منْ (قطربٍ)
وبأحسنِ التّصريفِ والإسنادِ
منْ عهدِ أكثمَ، والخطابةُ تحتفي
ببديعِ حجّاجٍ وقولِ زيادِ

قد غرّدتْ أبهى القصائدِ تنثني
في مربدٍ وعكاظَ خلفَ الحادي
وبجوهرِ الكنزِ الثّمينِ تبغددتْ
بيراعِ أفذاذٍ وتبرِ مدادِ
خُطَّتْ بأسطرها ملاحم منْ غدَوا
يبنونَ سؤددها بسبقِ جيادِ
(نهجُ البلاغةِ) في الفرائدِ يُقْتدى
و(دلائلُ الإعجازِ) سؤل الغادي
لمّا نحدْ – متشبِّثينَ تعلُّقاً-
برياحِ كاظمةٍ، وبطْنِ الوادِي
وبأجملِ الكحلِ المزيّنِ شوقنا
لجفونِ (ذي سَلَمٍ) ولحظِ سُعادِ

قالوا: لسانُكَ يعربيُّ المُشْتهَى
قلتُ: الفصاحةُ كم تهيج ودادي
فجذورها تمتدُّ في أيّامها
لتطلَّ ولهى من صدى الأجدادِ
بزّت سواها مَن يفاخرُ واهماً
بعراقةِ التّكوينِ والميلادِ
وثمارها للعاشقين تذلّلتْ
أحلى قطوفٍ في عظيم مرادِ
شرفتْ على الأقرانِ شأوَ منازلٍ
وتفرَّدتْ عنْ ألسنِ الأندادِ
فجنى غراسِ الهائمينَ بأرضها
ينأى عنِ التّوصيفِ والأعدادِ
تاريخُها فاقَ النّظائرَ رفعةً
مُتمسِّكاً بثوابتِ الأوتادِ
في أرضِ واحدةِ المصائرِ قد زهتْ
وتغلغلتْ منْ سالفِ الآمادِ
فمنَ المحيطِ إلى الخليجِ بهاؤها
حتّى أقاصي المنتهى بغدادِ
ومنَ الجزائرِ لوّحتْ فرسانُها:
سنصونُ حصنَ عرينِها بطرادِ
عزّ اليمانيّ المقلّدِ فيصلاً
وشموخ شامِيّ الهوى الميّادِ
شنقيطُ رافد أنهرٍ فيّاضةٍ
ببراعةِ الشّعراءِ والإنشادِ
وإلى المعزِّ المستهامِ تطلّعتْ
نجلاءُ قاهرةٍ بسحْرِ سوادِ
والقدس قِبْلة ثائرينَ تدافعوا
للغوثِ إيماناً بصدقِ جهادِ

كمْ أحمقٍ قدْ شاءَ تمزيقَ العُرا
وإطاحة البنيانِ والأطوادِ
متنطّعاً: أنّ اللّغاتِ تطوّرتْ
مُتذرِّعاً بتبدِّل الأحفادِ
لكنّما اللغةُ الأصيلةُ أشرقَتْ
وتوهّجتْ بسراجِها الوقّادِ
هذا (يعرّبُ) ما تعجّمَ حرفُهُ
وأخوهُ (ينحتُ) منهل الوُرّادِ
والآخر (اشتقّ) الكلامَ فسارعتْ
تمتاح منه ظوامئُ الرّوّادِ

لغةُ العراقةِ والحضارةِ والعلا
لغتي العليّةُ موئل الإمجادِ
منْ ذا تجرّأَ في حماقةِ جهله
أنْ يعبثنّ برفعةٍ وعمادِ
ويسيءَ للكنفِ المعزّزِ قَدرُهُ
ويجيءَ ذنْبَ وقاحةِ الأوغادِ
الصائنون هويّتي لم يغفلوا
عنه غداةَ أرادَ نشرَ فسادِ
سيخيبُ ملتفّاً بشرِّ وبالِهِ
ويزيحُه قسراً حماةُ الضّادِ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock