رؤي ومقالات

د. فيروز الولي تكتب:اتفاق في التوقيت الخطأ؟ قراءة تحليلية في “الإنجاز الإنساني” المؤجل

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

في الجولة العاشرة من مشاورات مسقط، وبعد سنوات من البكاء على أبواب المنظمات الدولية، أعلن عضو الوفد الحكومي ماجد فضائل التوصل إلى اتفاق شبه كُلّي للإفراج عن آلاف المحتجزين والمختطفين من كافة الأطراف.
خبر إنساني؟ نعم.
تاريخي؟ ربما.
بريء؟ هنا يبدأ السؤال… ولماذا الآن بالضبط؟
أولًا: التوقيت… حين تصبح الإنسانية موسمية
لأكثر من عقد، تحوّل ملف المعتقلين في اليمن إلى عملة سياسية لا تُصرف إلا عند الحاجة.
سنوات وأسماء بحجم محمد قحطان تُرفع كشعارات في المؤتمرات، وتُدفن في أدراج التفاوض.
لم يكن ينقص الملف التعاطف ولا المناشدات ولا الصور ولا البيانات، بل الإرادة السياسية.
فلماذا تحرّكت الإرادة اليوم؟
هل لأن الضغوط الدولية تغيّرت؟
أم لأن موازين القوى على الأرض أعادت ترتيب الفواتير؟
أم لأن هناك تنازلات صامتة دُفعت تحت الطاولة؟
ثانيًا: السياسة… من دفع الثمن؟
السؤال الذي لا يريد أحد الإجابة عنه: ماذا قُدِّم للحوثي مقابل هذا “الانفراج الإنساني”؟
التجربة اليمنية تقول إن الحوثي:
لا يفرج مجانًا
لا يوقّع بدافع الأخلاق
ولا يتنازل دون مقابل سياسي أو أمني أو اقتصادي
فهل كان الثمن:
شرعنة غير مباشرة؟
تخفيف ضغوط دولية؟
تمرير ملفات اقتصادية؟
أو إعادة تموضع سياسي لحزب الإصلاح نفسه؟
حين يخرج الإصلاحيون فجأة بصورة “صناع السلام”، يحق للشارع أن يسأل:
هل كان المعتقلون ورقة تفاوض… أم رهائن صبر؟
ثالثًا: الاجتماع السياسي الاجتماعي… حين يتحول الألم إلى صفقة
اجتماعيًا، هذا الاتفاق يفتح الجراح بدل أن يغلقها:
عائلات انتظرت سنوات بلا خبر
أمهات تعلمن السياسة من بوابة السجون
أطفال كبروا على صور آبائهم في الجدران
اليوم يُقال لهم: “اصبروا… لقد نضجت الصفقة”
وكأن الألم يحتاج إلى موسم حصاد.
رابعًا: الاقتصاد… المعتقل ككلفة تفاوض
اقتصاديًا، ملف المحتجزين لم يكن منفصلًا عن:
ملف الرواتب
ملف الموانئ
ملف المشتقات
ملف البنك المركزي
كل ملف يُفتح… يُغلق معه إنسان.
وكل تنازل اقتصادي، غالبًا ما يُغطّى بعبارة: “إنجاز إنساني”.
خامسًا: العسكر… من يربح على الجبهات؟
عسكريًا، أي إفراج واسع يعني:
إعادة تدوير مقاتلين
رفع معنويات
إعادة ضبط خطوط تماس
فمن سيعود أقوى؟ ومن سيُساق إلى الجبهة تحت عنوان “السلام المؤقت”؟
سادسًا: الدبلوماسية… مسقط كغرفة إنعاش
دبلوماسيًا، مسقط لم تعد ساحة وساطة فقط، بل:
غرفة إعادة تأهيل سياسي
مختبر تدوير الأزمات
منصة تجميل للصورة القاتمة
العالم يريد “هدوءًا”، لا عدالة.
واليمن يُقدَّم دائمًا كفاتورة قابلة للتقسيط.
سابعًا: الإعلام… كيف تُصنع البطولة؟
إعلاميًا، سنشهد:
صور مصافحة
بيانات “بحمد الله”
سباق نسب الفضل
تجاهل متعمّد لمن بقي في الزنازين
الإعلام لا يسأل: لماذا تأخر الإفراج؟
بل يكتفي بالتصفيق لمن ضغط زر “الإنجاز”.
ثامنًا: اللوجستيات والمال… من موّل الصمت؟
لا اتفاق دون:
تمويل
ضمانات
رعاة
حسابات بنكية صامتة
الإنسان هنا ليس مركز الاتفاق، بل ملحق تفاوضي.
الخلاصة: سلام بلا ذاكرة؟
نعم، الإفراج عن المعتقلين واجب لا يُجادل فيه.
لكن الأخطر من السجن… هو تحويل السجن إلى أداة سياسية.
هذا الاتفاق يطرح سؤالًا واحدًا سيبقى معلقًا:
هل أُفرج عن المعتقلين لأن الوقت حان للعدالة؟
أم لأن الوقت حان لصفقة جديدة؟
في اليمن، حتى الفرح
يأتي دائمًا… متأخرًا، مشروطًا، ومحمّلًا بالريبة.
وحدهم المعتقلون يعرفون:
أن الحرية التي تأتي بعد صفقة…
ليست بريئة تمامًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock