أنا والعالم الآخر…….بقلم سما أحمد

كنتُ صغيرةً جدًا حين انفصلت عن عالم البشر، وصنعَت عالما خاصٍّ بي من الكتب.
كانت أمي راقيةً جدًا؛ حتى إنها اشترت لي مصباحًا صغيرًا جدًا، ووضعته بجوار فراشي، حتى أستطيع القراءة بعد أن ينام الجميع.
قرأتُ كثيرًا جدًا، وحزنتُ كثيرًا جدًا؛ فكنتُ كلما قرأتُ، ازداد حزني وانعزالي عن الآخرين.
كنتُ دائمًا مختلفةً في نظر من حولي، وكانت صداقاتي معدودةً ومحدودةً جدًا.
أصبحتُ مسكونةً بكل الشخصيات التي قرأتُ عنها، تماهَيتُ مع سارة العقاد؛ أحببتُ دلالها، ثقافتها،جمالها، و حبَّ همّام لها.
أحببتُ فيرمينا حين قررت العودة إلى حبيبها بعد خمسين عام من الفراق
(الحب في زمن الكوليرا).
أحرقتني تلك النار التي
أحرقت سليمة وكتبها، سمعتُ صراخ ابنها،
ورأيتُ القهر في عيني زوجها
(ثلاثية غرناطة).
ظللتُ لياليَ كثيرةً مستيقظةً وفَزِعةً،
متسائلةً: ماذا لو كنتُ صفية، وتركتُ حيفا دون ابني الوحيد، وسرقه اليه..ود مني؟
(عائد إلى حيفا).
سافرتُ في رحلات أنيس منصور، وأحببتُ الله في كتب
مصطفى محمود،
تألمتُ لكل أبطال ديكنز،
هالني حجم الإيمان في كتابات فولتير.
عشقتُ تاريخ بلادي حين قرأتُ فجر الضمير،
تعلمتُ الكثير والكثير عن عظمة مصر من شهيد الجغرافيا.
أصبحتُ مسكونةً بالكتب، وبالشخصيات، وبالأزقة، والحواري، والميادين، وبالمشاعر أيضًا.
صرتُ ممتلئةً بالتناقضات، التي تعجز نفسي عن تفسيرها، ويعجز من حولي عن احتمالها…
هل كان الاختلاف نعمةً أم
نقمة؟ لا أدري!
أنا التمس العذر لكل من لم يرَ اختلافي أو يُقدِّر مشاعري،
لكل من لم يستطع أن يحتوي نزقي أو يهذّب غروري،
لكل من لم يُحسن قراءة قلبي،
ولكل من لم يفهم صمتي…
أعرف جيدًا:
لا أحد يقوى على صداقتي…
ولا على حبّي!!








