تاريخ العرب

جلال الدين بن خوارزم شاه | أحبوها فقتلتهم !

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

لما انتهى جنكيزخان قائد التتار من أمر الزعيم الأول للخوارزميين محمد بن خوارزم شاه وأسقط دولته، بدأ يفكر في غزو أفغانستان لقتال الابن جلال الدين بن خوارزم شاه، وكان جنوب الدولة الخوارزمية تحت سيطرة جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه وكان ملكه يشمل وسط وجنوب أفغانستان وباكستان، و يفصل بينه وبين الهند نهر السند، و اتخذ جلال الدين مدينة غزنة مقرا له .
جاءت إلى جلال الدين الأخبار بموت أبيه في جزيرة نائية ببحر قزوين، وهجوم التتار العنيف على مناطق شمال ووسط الدولة، وبالتالي أصبح الحاكم الشرعي للدولة الخوارزمية، فبدأ في الاستعداد لمواجهة التتار ، واشترك معه أحد ملوك الأتراك وهو “سيف الدين بغراق”، كما انضم إليه “ملك خان” أمير هراة بجيشه؛ والتقي الجيش الاسلامي الموحد مع جيش التتار في غزنة ، فانتصر المسلمون على التتار لاول مرة في التاريخ ، وشعر جنكيزخان بالقلق لأول مرَّة، فجهَّز جيشًا أكبر ، وأرسله مع أحد أبنائه لقتال المسلمين ، والتقى الجيشان في مدينة «كابول» الأفغانية وكان القتال عنيفًا جدًّا، أشدَّ ضراوة من موقعة غزنة، وثبت المسلمون، وحقَّقُوا نصرًا غاليًا اخر على التتار؛ بل وأنقذوا عشرات الآلاف من الأسرى المسلمين من يد التتار ، وقتل تولي خان بن جنكيز خان في هذه المعركة.
بعد انتصار المسلمين في معركة كابول ، أخذ المسلمون غنائم كثيرة ونفيسة من جيش التتار ، وبدأ هنا اختبار الدنيا و المال، الذي قلما يخرج الإنسان منه سليمًا معافًا من آفاته!
ومصداقا لقول رسولنا صلى الله عليه وسلم”أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ” وسبحان الله، هذا ما قد حدث..
فقد وقع المسلمون في الفتنة، حيث قام سيف الدين بغراق أمير الترك يطلب نصيبه في الغنائم، وكذلك فعل أمير خان ملك هراة، فحدث الاختلاف وارتفعت الأصوات، ثم بعد ذلك إرتفعت السيوف !!، وسقط فيها مسلمين علي أيدى مسلمين، وكان ممن سقط أخ لسيف الدين بغراق، فغضب وقرر الانسحاب من جيش المسلمين
ورغم أن جلال الدين استعطفه بشتى الطرق، لكنه رفض أن يعود وانسحب بجيشه فعلا، فوجد جلال الدين أنه سيواجه جيوش التتار بجيشه وحده، ودب الرعب والهلع في جيش المسلمين لقلة عددهم وتحطم معنوياتهم، فأخذ جلال الدين جيشه متجها إلى الجنوب للهروب من جيوش التتار الذين عادوا للانتقام ، على الأقل لتجنب الحرب فى هذه الظروف، فأسرع جينكيز خان قائد التتار خلف جيش المسلمين، وعند نهر السند فُوجئ جلال الدين وجيشه بعدم وجود سفن لنقلهم عبر النهر الواسع إلى الناحية الأخرى، فطلبوا سفنًا من مكان بعيد، وبينما هم ينتظرون السفن إذ طلع عليهم جيش جنكيزخان! ولم يكن هناك بدٌّ من القتال؛ فنهر السند من خلفهم، وجنكيز خان من أمامهم، ودارت موقعة رهيبة بكل معاني الكلمة، حتى إن المشاهدين لها قالوا: إن كل ما مضى من الحروب كان لعبًا بالنسبة إلى هذا القتال.
واستمر القتال لثلاثة أيام، واستحر القتل في صفوف جيش المسلمين و انكسر ، وكان ممن قتل في صفوف المسلمين “الأمير ملك خان” الذي تصارع مع “سيف الدين بغراق” على الغنائم، ولم يظفر من الدنيا بشيئ، ولكن الدنيا قتلته، فشتان بين من يموت وهو ناصر للمسلمين، ومن يموت وقد تسبب فى فتنة أدت إلى هزيمة مرة ، اما السلطان فقذف بنفسه في النهر وتبعه ما بقي من رجاله وعبروا النهر إلى الضفة الأخرى، ووقع في الأسر ابن للسلطان وكان طفلا في الثامنة، ولكن جنكيزخان لم يرحم طفولته فقتله بيده، ولما عبر السلطان إلى الجهة الأخرى رأى والدته وأم ولده وحريمه يصحن بأعلى صوتهن: «بالله عليك اقتلنا وخلّصنا من الأسر»، فأمر بهن فأغرقن.
وهمّ كثير من المغول بعبور النهر واللحاق بجلال الدين، لكن جنكيزخان منعهم واكتفى بهذا النصر الذي أعاد للمغول هيبتهم، وحقق لهم الاستيلاء على غزنة التي كانت خالية من الجند.
أخذ جلال الدين يبعث الرسائل إلى الملوك الأيوبيين والخليفة العباسي الناصر لدين الله يطلب منهم العون، وينذرهم نتيجة عدم إرسال العون له بأنّ المغول سيزحفون لتدميرهم. لكنّ أحداً لم يجبه.
حاول جلال الدين أن يقضي على خطر المغول في الفترة التي انشغلوا فيها بعد وفاة جنكيز خان عام 1227م في اختيار قائد يحلّ محله ، وعلى الرغم انتصاره على المغول في عدة مواطن ، إلا أنّ الاضطرابات الداخلية والانشقاقات داخل الأسرة الخوارزمية والخلاف بين جلال الدين والعالم الإسلامي قد أضعفته أمام أوقطاي خان الذي تسلم قيادة المغول، ثمّ أرسل جيشاً جراراً للقضاء على السلطان جلال الدين الخوارزمي، الذي لم يجد بداً من الفرار من أمامهم عام 1231م.
وكما انتهى حال أبيه من قبل، ظل جلال الدين يفرُّ من منطقةٍ إلى أخرى، ويحاول الاستنجاد بالخليفة العباسي وأمراء المسلمين مذكّراً إياهم بأن الدور سيأتي عليهم، لكنهم تركوه لمصيره، وقتل المغول أغلب جنوده وطلب أقطاي رأس جلال الدين تحت قدميه.
ولجأ جلال الدين إلى جبال كردستان بعد أن يئس المغول من تتبعه للقضاء عليه، وظل هناك هائما على وجهه حتى عثر عليه رجل كردي وأخبره أنه هو السلطان جلال الدين، فأخذه الكردي إلى منزله، وخرج ليدبر له بعض خيوله ليستعين بها السلطان في رجوعه إلى بلاده، وبينما كان الكردي غائبًا عن منزله أتى كردي آخر لزيارته فلما دخل المنزل رأى السلطان فعرفه، وكان قد قتل أخًا له في إحدى غزواته، فضربه بحربته التي كانت في يده فنشبت بين أضلعه وسقط السلطان قتيلًا، وذلك في (15 شوال 628 هـ= 9 أكتوبر 1231م). وبمقتله سقطت الدولة الخوارزمية أمام المغول الذين سيطروا على أراضيها، وبدأت بعد ذلك مرحلة جديدة للغزو المغولي قادها هولاكو حفيد جنكيز خان فقضى على الخلافة العباسية في بغداد وسقطت في يديه مدن الشام كحلب ودمشق و معها ملايين المسلمين .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock