منوعات و مجتمع

همسات كهربائية من الكوكب الأحمر.. الميكروفون الأول على المريخ يكشف ظاهرة غير مرئية

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

تكتسح رياح قوية سطح المريخ باستمرار، حاملة معها غبارا دقيقا إلى أعالي الغلاف الجوي في دوامات دوارة تعرف باسم “شياطين الغبار”.
وفي حدث غير متوقع، التقط الميكروفون المثبت على أداة SuperCam الموجودة على متن مسبار “بيرسيفيرانس” التابع لناسا إشارات قوية بشكل غير معتاد أثناء دراسة اثنتين من هذه العواصف. وقد كان هذا أول ميكروفون يستخدم على الإطلاق على المريخ. وأدرك العلماء لاحقا أن الأصوات صدرت من مركز شياطين الغبار نفسها.

وقام فريق من معهد البحث في الفيزياء الفلكية وعلم الكواكب (IRAP) ومختبر الأغلفة الجوية والمراقبات الفضائية بتحليل التسجيلات الصوتية وتحديدها على أنها إشارات كهرومغناطيسية وصوتية ناتجة عن تفريغ كهربائي. وتشبه هذه التفريغات الكهربائية الصدمات الكهروستاتيكية الخفيفة التي يشعر بها الأشخاص أحيانا على الأرض بعد لمس جسم معدني في ظروف جافة.

وعلى الرغم من توقع العلماء لمثل هذا النشاط لعقود، فإن هذه هي المرة الأولى التي يلاحظ فيها التفريغ الكهربائي في الغلاف الجوي للمريخ بشكل مباشر.

وتتكون الشرارات عندما تتصادم وتحتك حبيبات الغبار الدقيقة غير المعدودة ببعضها بعض. ويؤدي هذا الاحتكاك إلى تراكم شحنات كهربائية على الجسيمات، يتم إطلاقها في النهاية على شكل قوس كهربائي قصير بطول بضعة سنتيمترات فقط. وتولد هذه الدفعات الكهربائية الصغيرة أيضا موجات صدمية يمكن سماعها.

وعلى الأرض، نعرف أن حبيبات الغبار – خاصة في المناطق الصحراوية – تكتسب شحنات كهربائية عندما تحتك ببعضها، لكن هذه الحالة نادرا ما تتطور إلى درجة تسمح برؤية أو قياس تفريغ كهربائي فعلي. بينما على المريخ، تسهل الظروف الجوية هذه العملية بشكل كبير. فبسبب غلافه الجوي الرقيق جدا والمكون في معظمه من ثاني أكسيد الكربون الجاف، فإن الجهد الكهربائي اللازم لإنتاج شرارة مرئية ومسموعة يكون أقل بكثير مما هو مطلوب على الأرض، ما يجعل هذه الظاهرة أكثر وضوحا وقياسا على سطح الكوكب الأحمر.

ولهذا الاكتشاف آثار كبيرة على فهم العلماء لكيمياء الغلاف الجوي للمريخ. ويظهر وجود التفريغ الكهربائي أن الغلاف الجوي يمكن أن يصل إلى مستويات شحن عالية بما يكفي لتسريع تكوين مركبات مؤكسدة بشدة. ويمكن لهذه المواد التفاعلية أن تحطم الجزيئات العضوية على السطح وتغير العديد من المواد الكيميائية في الغلاف الجوي.
وقد تساعد هذه العملية في تفسير لغز طويل الأمد على المريخ: اختفاء الميثان بسرعة. وقد تم رصد الميثان بشكل متكرر على المريخ، لكنه يختفي أسرع مما يمكن أن تفسره النماذج الحالية. ويمكن للتفاعلات الكيميائية التي تحركها الكهرباء أن تدمره بشكل أسرع مما هو متوقع.

وقد يؤثر الشحن الكهربائي داخل عواصف الغبار أيضا على كيفية انتقال الغبار عبر الكوكب. ونظرا لأن الغبار يلعب دورا رئيسيا في تشكيل الطقس والمناخ على المريخ، فقد تكون هذه التأثيرات مركزية لفهم السلوك الجوي الذي ما يزال غير مفهوم جيدا.

وهناك أيضا مخاوف عملية. يمكن أن يتداخل التفريغ الكهربائي مع الإلكترونيات الحساسة على متن المركبات الفضائية الروبوتية وقد يشكل مخاطر على المهمات البشرية المستقبلية إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح.

المصدر: ساينس ديلي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock