على الرغم من الألم الذي يسكن روحي و أنا أكتب عن جرح يتأصل في جسدي لكنني أجد نفسي مرغما أن أكتب و أرسم ملامح هذه المكيدة الموغلة في نهش جسدنا السوري باعتباره فريسة سهلة القنص
… في سالف الزمان عندما استقر المقام للامبراطورية الرومانية و تعاظمت قوتها و جبروتها و تمكنت من فرض سلطانها و هيمنتها بحثوا عن وسيلة للمتعة و الترفيه عن النفس فابتدعوا حلبات المصارعة و بنوا لها المسارح العظيمة …
لقد وجد الرومان في المقاتلين الاغريق أقوى المصارعين فاستعبدوهم و اطلقوا عليهم لقب المجالدين و استخدموهم في هذه الحلبات الدامية و هم يستمتعون بمنظر الدم و كيف تنتهي المصارعة بضحية و منتصر سيكون الضحية فيما بعد
… بالتأكيد ما حدث في لبنان و من خلال اللوحة التراجيدية للواقع الملموس لا يقل فظاعة و مأساوية عن اللوحة القاتمة لحلبات مصارعة الموت و العبودية المذلة لدى الرومان و الرؤية الواقعية تستوجب الاقرار بأن السلطات اللبنانية من أعلى هرمها القيادي إلى أدناه مسؤولة و مشاركة سواء عمدا أو دون عمد في هذه المذبحة الإنسانية التي استهدفت بصورة مباشرة المرأة السورية و كيانها الإنساني و كرامتها و حريتها لكنها و بصورة غير مباشرة استهدفت البشرية و كينونة التحضر الإنساني لعصور من السعي لتحرر الكيان الانثوي و تحريره من المعتقل الجسدي باعتباره منبع اللذة و ملكا مباحا للذكورة الهشة
الأنثى السورية التي تباهت منابع التاريخ البشري بأنها الرمز النقي للخصوبة و العطاء كانت الضحية الظاهرية في فخاخ سماسرة و ممولي السلطة اللبنانية و لا يمكن للعقل الإنساني ان يتوقع تأسيس سوق للنخاسة و الإتجار بالبشر و اعضائهم و ارواحهم و لهذه الفترة الطويلة من الزمن و بأعداد هائلة من الضحايا و بجرائم منظمة دون أن يكون للسلطة الحاكمة معرفة بل الحقيقة تستوجب الاقرار بأن السلطات هي من ساندت و أدارت الشبكة عن بعد و من خلال فسادها الإداري و الإنساني و اذرعها الاخطبوطية التي تهيمن على المساحة اللبنانية فسادا و دمارا
القصة ليست كما يروج لها بعض قصيري النظر تحت مسمى شبكة دعارة بل الحقيقة هي شراكة دولية في الصمت عما يعانيه الشعب السوري الذي وجد نفسه على مفترق طرق كلها تؤدي به للهلاك
نظام طاغية قاتل طائفي لا يهمه سوى الاحتفاظ بالعرش مهما تعاظمت الآضاحي
معارضة مبتذلة رخيصة تتراقص في المحافل و لا يهمها سوى الاتجار بالشعب و بيعه بأبخس ثمن
دول مجاورة رأت في الأزمة السورية و تعاظم مأساتها وسيلة للمكاسب و الاتجار و كسب المعونات و اسكات شعوبها
مجموعة دولية اعتادت عبر التاريخ ان تستغل الشعوب و تديرها عن بعد فتتسع اسواقها
… لا يمكننا اليوم و نحن نقف على هرم عصر التقنية و الحريات ان نتجاهل حقيقة ماثلة للعيان و هي بأن المرأة ما تزال الضحية الرئيسية لعهر الأنسان و اطماعه و هنا لم تكن المرأة بضاعة متعة جسدية فحسب بل تم استهداف كينونتها الحياتية فكانت تتعرض للتعذيب و القتل و الإتجار بأعضائها و ما خفي كان أعظم
ما حدث لم يكن عابرا و لا يمكن اعتباره مجرد مجموعة من المستغلين دفعتهم نفوسهم المريضة إلى هذه الجريمة البشعة بل العكس هي جريمة دولية منظمة و من يقف خلفها و وراء الستار اكثر بكثير ممن تم عرضهم و التشهير بهم و هم اكثر بشاعة و اجرام و ليست لبنان هي الحلبة الأولى للإتجار بالشعب السوري و كرامته و ما خفي في تركية و الاردن اكثر بكثير و لا يمكن ان نضمن للشعب السوري كرامته و انسانيته إلا بضمان حريته و عودة السلام لأرضه
حسن اسماعيل اسماعيل