دمية ورقية لكل شئ أكرهه….قصيده للشاعر ممدوح تايب درويش
العربي اليوم
31 ديسمبر، 1969
ثقافة وفنون
107 زيارة
- (1)
- سأصنع دمية ورقية لكل شئ أكرهه
وأثقبها بشوكة اللعنات
دمية لتمرجي المشفى
دمية للرطوبة
دمية لكوب الحليب البارد
دمية للأرق
ودمية لسلك الجراحة الضيق حتى الخاصرة .
(2)
كان رأسي محشو بلفافات الشاش و أصوات الأبواق،
قلبي محشو بالمقصات والسكاكين الطرية ،
وجهي مصبوغ بمكسبات اللون ،
إحتاج الطبيب أن يحقنني بأكثر المخدرات فتكاً
صوت بائع الحلوى المثلجة ، ساندويتش لازال طازجاً في حقيبتي المدرسية
و خيط أمي الذي خاطت به قلبي
كي لا تمزقه أي إمرأة عابرة.
(3)
حين زرع الأطباء جسدي بالإبر
و قطروا لي سويعات البقاء من كيس القسطرة
خفت أن يعبثوا بما أخفيه،
العابي ،
درجات الحسابِ ،
عقاب المعلم ،
رسائل الحب،
وكل زحام الذاكرة.
خفت أن يشقوا صدري
حيث المدارات كلها حول قلبي
قلبي مركز كوني وبداية التقويم
حيث فصول السنة حسبما تحملت رئتاي
من دخان تبغي،
تلوث المدينة،
غبار الخماسين،
والضحكات الأنثوية المعطرة .
(4)
جسدي ، لم يمسسه مشرط الطبيب مذ كنت في الرابعة
ظن حينها طبيب المشفى القديم انه،بهكذا تضحية، سيمنحني طفولة
كما اراد الله ان تكون طاهرة .
(5)
في مثل هذا العمر الطازج، تكون الأحلام نبتة صماء
لكنها، على قدر التفاف أوراقها حول السراب ، تبقى ندية، شهية، مخضوضرة.
كانت تغمز لي نجمة تتوسد الغمام
تفسد لي مساءات هادئة
تنبت لي أجنحة فضية
أصعد كملاك، فألمس الأحلام
و قبل أن أعود لسريري ،أتفقد نافذتي
لطالما أغلقها أبي بفرمان قيصري
كي لا يفتنني ذاك القمر
ولا النجوم التي تتزاحم في الممر
ولا شباك جارتنا الذي يتأوه كل خميس
كباقي الشبابيك المجاورة.
(6)
كنت حين أقلع ضرساً
والقيه في جوف الظهيرة
اتمنى ،
تمنيت لو يزوجوني كل يوم إمرأة
حتى أقتلها في الصباح
وأبكيها في المساء
تمنيت إغفاءة القمر على حجر السماء
تمنيت كوخاً – خرافياً – اوقد فيه الأحزان
والصق على جدرانه ملامحي المتبعثرة.
(7)
مذ كنت طفلاً لم يعبث بقلبي غير معلم الكيمياء
رسمني على السبور ،
أغلق حولي دائرة بالطبشور ،
صرت اخدش الحواف بأظافر صدئة
علني أخرج من الدائرة.