يغيب الصّوت في الظّلام الدّامس. تتراقص أطياف. تطير باحثة عن فجوة. تتّبع سرب الخفافيش. السّماء مغبشة. المزيد من الأطياف. إنّها على الأغلب أشباح. ربّما هي أشباح ذلك الحشد الّذي سبق ورأيته. إنّها لا تطير فحسب وإنّما هي تطلع من كلّ فجّ. إنّها تطلع من بطون الجبال ومن شقوق الأرض. إنّها غفيرة تشدّ بعضها بعضا. تتقدّم نحوي بعيون جاحظة. أفواه فاغرة وأسنان مثقوبة، هذا ما استطعت رؤيته من الأجساد العارية حتّى العظم. لقد انتظمت بعد ذلك في صفوف منتظمة. صفوف كثيرة متراصّة من الهياكل العظميّة. يجول بين عظامها الرّيح ويصفّر صفيرا ملحّا موجعا كتأنيب الضّمير.
ويل لي. ما هذا الجحيم؟
أصرُخ. سكين حادّة تقطّع صرختي إربا.
ثمّ رأيته مجدّدا. الرّجل نفسه يتقدّم كلّ تلك الصّفوف. كانت عظامه مكسوّة لحما. كان جميلا وجذّابا وطريّا. إنّه يغري بالحبّ. قوّته، عضلاته النّاشئة الفتيّة، شعره الأسود الغزير السّائل كلّ شيء فيه يبعث على الرّغبة.
لم أكن الوحيدة الّتي تشعر بالرّغبة نحوه، إذ يبدو أنّ كلّ الحشد مفتون به.
كان الحشد يسير خلفه مقلّدا حركاته. وقفت أنا الأخرى وقلّدتهم. لقد سال لعابي حين اشتدّت طقطقة العظام وحين رأيت جسده الفضيّ يلتهب.
لم أفهم المغزى من تلك الحركات ولست أكترث. فلعلّها مجرّد رقصة غريزيّة أو ربّما هي صلاة أو مناجاة لقوّة عظيمة. ربّما هو تضرّع لاستجداء الحياة.
المهمّ أنّني كنت نزقة.