مُنذ أنْ ماتَ أبِي و أنَا
أَركُض ..
لمْ أبرَح مَكانِي .. لكِنّني كُنت أركُض
بِقوةٍ هائِلة عَكس الزّمن !!
كَانتْ أطْرافي تَسقطُ و تَذوب ..
و الدّمعُ يجْرحُ خدّ الرّيح
كُلمَا انْحدرَت دَمعَة .. رَأيتُ
دَماً يسيْل في الهَواءْ !!
أَركُض ..
مَاراً بأَحلاَمي القَديمَة
أَحلاَمي الّتي فَتّت أَبي
أَحلامهُ لِأجلِها ..
لوّحتْ لي .. غَير أنّ رأْسي الْتوى
و أنَا أنْظرُ إليهَا مَشدوهاً حتّى
تَوارتْ في الأُفق !!
فِي الطّريقِ أَيضاً صْادفتُ ظلّي ..
كَانَ يَجري في الاتّجاهِ
المُقابلْ ..
لَم يتعَرفْ عَلي !! ..
كَما أنّ أطْرافهُ لمْ تسقُط !!
مَطَّ شَفتَيهِ و ابتَعدْ أيضاً ..
مَاتَ أبِي ..ومُذ ذَاكَ و أنَا أعدُو إلَى
الخَلف ..
أَرى أُناساً يَبتسِمون ..
و آخرُون انْفجرتْ حنَاجرهُم و هُم
يُنادونَ موْتاهمْ ..
لَكنّهم ليسُوا مِثلَك يا أَبي ..
لاَ يُشبهُونكَ يا حبِيبِي ..
أركُض ..
أعبُر أَزمِنةً قدِيمةً .. و حَضاراتٍ شَاسعَة..
تُصادِفُني أَغانٍ لَطالمَا ردّدتَها لأمّي
فِي غَفلةٍ مِن الحُزن ..
أَصابَها الخَرسُ يا أبي ..
و أَنا تَعبتُ .. تَعبتْ
أَعيانِيَ الرَكضُ مِن بعدكْ
و وَهنتْ رُوحي .. وتَساقطْت
كُل أطْرافِي ..
و اسْتحالتْ أرضُ قَلبي قَفراً..
و النّاسُ ..كلّ النّاسِ فِي غِيابِك سَواء..
سأَقِفُ الآن عنِ الرّكض .. و أَنتظر ..
أَنتظِرُ أنْ تَلوح رُوحكَ في الأُفق
لأَستَعيد بعضاً مِن نفسٍ ادّخرتُه لِعناقٍ
طويلْ ..
طوِيلٍ يا عزيزِي .