أقام المجلس الأعلى للثقافة بأمانة د.أمل الصبان ، ندوة بعنوان “تجديد الخطاب الدينى”، وأدارتها د.علياء شكرى,التى بدورها قدمت شكرها للجنة علم النفس والأنثروبولوجيا، ومقررها د. أحمد زايد، لإختيار هذا الموضوع الهام والذى قال أنه يرى أن الخطاب الدينى فى مجتمعنا أصبح يتجه بشكل كبير لإلغاء فكرة التعددية، وأهم سماته التشدد والرقابة على العقل، وعدم فتح المجال لإعمال العقل بحرية، وكأن التاريخ يسير فى الإتجاه المعاكس؛ فمن الطبيعى أن نلمس التوسع والتمدد كلما تقدمنا بدلًا من الانكماش الذى نراه فى واقعنا الحالى، فعندما يقول لنا الله عز وجل فى القرآن الكريم “لا إكراه فى الدين” فهى فكرة واضحة، تعتبر خير مثال لما نفتقده فى الخطاب الدينى. كما أضاف أن فكرة وجوب الإجماع على الآراء، قد نتج عنها جماعة يسميها “النخب الدينية”، فبرغم أنه لا كهنوت فى الإسلام، إلا أن هذه الفئة تمكنت بشكل كبير من نشر منهجها فى مجتمعنا، ونحن أحوج ما نكون لتفكيك هذه الفئة؛ لنحصل على خطاب دينى مستنير. حيث أكد أيضًا أنه كما قال عالم الاجتماع الكبير “بيتر بيرجر”: “الدين هو تلك المظلة المقدسة التى يشتق منها الإنسان المبادئ والأخلاق”، أى أنه لا يجب أن يكون دور الدين موجه للمجال العام، بل الصحيح أن يكون دوره بالمجال الخاص، فيشتق منه الفرد أخلاقه ومبادئه، وفى نهاية حديثه شدد على أهمية التعليم، وأنه لا يمكن بأى حال أن ننتظر خطاب دينى مختلف قبل وجود تعليم سليم وصحيح، فالخطاب الدينى بحاجة لتفكيك، يعقبه إعادة بناء، ولكن على أسس سليمة، أولها التعليم الصحيح مع التربية على تذوق الفنون بكافة أشكالها مثل الشعر، والأدب، والفن تشكيلى، والموسيقى، لخلق ما يسمى بالذائقة الجمالية، مما يؤسس فى شخصية الإنسان ووجدانه الرؤية النقدية للأمور، والإنفتاح على الآخر وتقبله.
أكد د.أحمد مجدى فى بداية حديثه أن البعض يعتقد أن قضية “تجديد الخطاب الدينى” تقتصر على الدين الإسلامى فقط، ولكن هذا غير صحيح؛ فالمقصود هو تجديد الخطاب الدينى الاجتماعى لكل الأديان، وبشكل عام. كما أكد أن الدين يدعو للحرية، والمساواه، والعدالة، والدين فى جوهره هو ثورة على الفساد والظلم الاجتماعى؛ وخير مثال لرفض الفساد والظلم الاجتماعى هو الدين الإسلامى، ولكى يحقق الخطاب الدينى جوهر الدين على أرض الواقع، سنجد أننا فى حاجة دائمة لتجديد هذا الخطاب؛ فكما يقول الحديث الشريف )إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها(، والتجديد هو عملية تحرير للفكرة من شكل القوالب، وفتح باب الاجتهاد، وإعمال العقل. أما المجدد هو ذلك التنويرى، الذى يواجه التحجر والتشدد والجمود الفكرى، مقدمًا رؤاه واستنباطاته نتاجًا لاجتهاده ولإعمال عقله، مثل الإمام محمد عبده، الذى يعد مؤسس فكرة “تجديد الخطاب الدينى” كما قال المفكر الكبير نصر حامد أبو زيد شهيد العقل. ثم أكد فى ختام حديثه على أهمية توجيه دعم المثقفين لتجديد الخطاب الدينى، والعمل على إصلاح التعليم، وتنقية المناهج من كل مسببات التشدد والتطرف، فكيف ننادى بتجديد الخطاب الدينى ومناهج التعليم الأزهرى المقررة على طلبة السنة الثالثة الإعدادية الأزهرية بها ما يحض على سفك الدماء من أفكار ابن تيمية!! كما شدد على أهمية ابتعاد الخطاب الدينى عن فكرة الترهيب التى كثيرًا ما تتبع فى خطب صلاة الجمعة، فيتم اختزال الدين فى منطق الحلال والحرام فقط، لغرض الترهيب.
ثم إختتمت د. علياء الفاعلية قائلة: درسنا ونحن طلاب مادة “علم الاجتماع الدينى”، ولكن للأسف تم إلغاء تدريس هذه المادة فى مختلف جامعات مصر بغرابة شديدة، ولا أعلم السبب؟! ها نحن الآن أحوج ما نكون لعلم الاجتماع الدينى!ما أتمناه أن نقرأ أعمال المفكر الكبير نصر حامد أبو زيد، الذى ذهب للأسف ضحية للتنوير، وصاحب مسيرة ثورية فى مجال تجديد الخطاب الدينى.