ماهر فرغلي يكتب …..عشوش

 

كنت أعلم علم اليقين أنه أخطر العناصر الجهادية ليس بمصر وحسب لكن فى كل المنطقة، وهو المعادل الطبيعى لأيمن الظواهرى، لذا فقد ذهبت إليه فى مقره بقرية العوايد، التابعة لمحافظة البحيرة.. إنه أحمد عشوش، زعيم أنصار الشريعة بمصر وشمال إفريقيا (الصورة الجديدة لتنظيم القاعدة)، الذى أسس بمصر فرعًا أطلق عليه (الطليعة السلفية المجاهدة). 
كان مكتبه الذى يدير منه التنظيم بين المقابر.. كنت أخشى ساعتها وأنا أسير بين الموتى أن أكون معهم بعد قليل، بعد الفخ الذى نصبه التنظيم لقتلى والتخلص منى، لكننى توكلت على الله، وسرت مع الدليل إلى المكان.
حاولت ان أهدئ من روعى فصليت العصر، كان عشوش قد وصل، فسألته هل مس المصحف الإلكترونى بغير طهارة حرام أم حلال؟.. قال لى: ليس حرام لأنه ليس فى حكم المصحف الورقى.
أخرج كتابًا من مكتبه أعطاه لى وهو من مؤلفاته (إعلام المسلمين بحقيقة الدستور والقوانين)، تحدث فيه عن الدستور الإخوانى، وأعطى فيه اهتماماً كبيرًا لإثبات أن القوانين الدستورية قوانين كفرية وغير شرعية، لأنها قائمة على هيمنة البشر المطلقة في التشريع، والتشريع حق لله.
لعشوش عدة مؤلفات تنتشر على الشبكة العنكبوتية وبين أتباعه فقط، منها: (الحجة والبرهان على حرمة دخول البرلمان – بلال فضل مؤذن الشيطان – حزب النور بين الإسلام والجاهلية الأوربية).
لفت انتباهى أن ابنه محمد الذى يبلغ من العمر 6 أعوام، أشقر اللون، ولا يتحدث العربية مطلقًا، ومن فرط شقاوته قطعت الحديث مع والده أكثر من مرة، وعلمت فيما بعد أن زوجة عشوش من البوسنة والهرسك، التى كانت جزءًا من يوغسلافيا من قبل، وقد تزوجها أيام الحرب هناك.
الأمر الأهم، هو تلك العناصر التى كانت تخرج وتدخل إلى مكتبه، ولا ينادى عليها إلا بالكنى فقط، ولما قلت له: هل تقوم جماعتك بالدعوة وضم عناصر جديدة؟
قال: هؤلاء الشباب الذين تراهم من جميع محافظات مصر، ولدينا الكثير بسوريا، ومنذ أيام قتل لنا 14 عضو فى الحرب السورية.
أحمد فؤاد بسيوني عشوش، من محافظة البحيرة، تأثر وهو في سن الثانية عشر بأحد أساتذته في المدرسة، وكان هذا المدرس ينتمي إلى مجموعة محمد عبد السلام فرج، قاتل أنور السادات، وصاحب الفريضة الغائبة.
بدأ عشوش ينتمى إلى الجهاد بعد تأثره بأستاذه، وفى هذه الآونة تعرف على ياسر برهامى، وعملا سويًا في البحيرة والإسكندرية، وأصبح سلفيًا.
ارتبط فى فترة العمل مع السلفيين، بمحمد عاطف أبو حفص المصري، الرجل الثانى بتنظيم القاعدة (فيما بعد) وكان من المقربين إليه جداً، فلما سافر عاطف إلى أفغانستان قرر عشوش أيضًا السفر.
فى عام 91 قرر تنظيم الجهاد عمل تنظيم يتكون من 500 عضو، أطلقوا عليه طلائع الفتح، والبدء فى حرب عصابات مفتوحة مع النظام المصرى، فعاد عشوش إلى مصر سنة 1991م على رأس التنظيم، وبدأ وفق الخطة المرسومة يعمل كداعية سلفى، لكن قبض عليه ضمن 150 شخصًا سنة 1993م، وكان أمير المجموعة، في أكبر ضربة توجه لجماعة الجهاد.
لما دخلوا السجن كانوا ينشدون:
طلائع الفتح تحييكوا.. جايين من كل مكان.. جايين يعملوا قلبان
من المؤكد أن أحمد عشوش وهو فى أفغانستان تأثر بسيد إمام، الذى كان أول من طرح داخل تنظيم القاعدة والجهاد، مسألة تكفير أعوان الحاكم، وتشدد في تلك المسألة، وأعتقد أن داعش ما وصل لمثل ما وصل إليه فكريًا إلا بعد طرح تلك المسائل.
بقى عشوش فى السجن أكثر من 10 اعوام، وخرج بعد ثورة 25 يناير فى دفعة الإفراجات التى تمت فيما بعد رغم أنه كان قد رفض وهو بسجن العقرب، وثيقة ترشيد الفكر الجهادى.
في أواخر عام 2013 أصدر أحمد عشوش، بيانا كشف فيه عن تأسيسه لجماعة جديدة أطلق عليها “الطليعة السلفية المجاهدة”، عرفها بأنها “حركة وتيار دعوي يجد ويجتهد ويقاوم باللسان والسنان، والدعوة والبيان، كل مشاريع الاستعمار والهيمنة العالمية لدول الاستعلاء والكفر وأذنابهم في العالم الإسلامي، الذي صار هدفا للاستعمار الصهيو صليبي – والنظام العالمي الذي تقوده أمريكا”.
حدد عشوش هدف “الطليعة” بقوله: “نصرة لدين الإسلام، وإقامة لخلافة إسلامية راشدة، تكون ملاذًا لجميع المسلمين على وجه البسيطة.. بكل الوسائل والسبل المشروعة والمتاحة، ونؤكد على الدعوة والجهاد كجناحين لا غنى عنهما لنشر الإسلام والحفاظ عليه، فقوام هذا الدين كتاب يهدي وسيف ينصر، وجماع ذلك يكون بخلافة إسلامية راشدة”.
أكد لى أنهم يرفضون الديمقراطية، لأنها كفر وشرك بالله، وأن أى حاكم يرفض تطبيق شرع الله كافر، وأن النظام القضائى المصري باطل، وأن المراجعات الفكرية التى تمت مع تنظيم الجهاد الإسلامى والجماعة الإسلامية عمل أمني وخيانة لله، وأن الانتساب للدكتور أيمن الظواهرى زعيم “تنظيم القاعدة” ليس سُبة.
كفّر “عشوش” مرسي، لذا فلا تتعجبوا من تكفير داعش له، فهى مسألة عقدية قديمة، لكنه رفض تكفير المجتمع، رغم أنه يأخذ بقاعدة الإطلاق والتعيين، مؤكداً أنه يدخل في الطوائف وليس الآحاد، وبالتالي لا يبحث في الشروط وانتفاء الموانع في حقه.
قال لى: أنا أول من نادى بالدمج بين السلفية الجهادية، منذ أن التزمت في سن صغير في السبعينيات، حين عاصرت كل نشطاء الحركة، والرموز الكبيرة للجهاديين، والتزمت بمنهج السلف، وكانت أول قضية اتهمتني بها الدولة، هي الطليعة السلفية الجهادية، لكنهم أدخلونني في تنظيم طلائع الفتح، وأبو قتادة الفلسطينى ليس أول من نادى بالسلفية الجهادية، فأنا أول من ناديت بذلك، وحاولت أن أجمع بين السلفية العلمية البحتة، لمدرسة الإسكندرية التي لم تكن تنظر في الواقع، ولا تنظر لتغييره، وبين الجهادية المعنية بالتغيير، ونقل الدولة من التبعية الاستعمارية، وليس بين الطليعة السلفية المجاهدة، وبين جماعة الجهاد تفرقة، فحتى عام 98 كانت جماعة الجهاد تحوي الجميع، حتى أعلن عن تحالف لمقاتلة اليهود والنصارى، وبذلك تلاشت جماعة الجهاد المصرية في القاعدة، فأسسنا الطليعة السلفية، بعيدًا عن جماعة الجهاد التي أصبح لها توجه.
رغم بدايات عشوش السلفية، إلا أنه رأى أنهم دخلوا إلى الشرك السياسي، وتعاملوا مع الواقع الديمقراطي الكفرى!!، وقال لى: إن المنهج الديمقراطي كفر، لأنه ينكر وجود الله عز وجل، كما نعلن المعارضة الكاملة للديمقراطية سواء مارسها إسلامي أو غيره، والديمقراطية منهج كفري، لأنها لا تؤمن بالنبي محمد، وتعني أن الشريعة للبشر وليس لله، والدولة المدنية التي ينادون بها، تخضع لقيد الشهوة، سواء القيد الشعبي أو الفردي، مثل قوم لوط، الذين محاهم الله، والشعب حين يستبيح المحرمات، يستحق الزوال، لأنه لم يتقيد بالحلال والحرام، لكنه تقيد بالمجتمع المدني، وهذا كفر، ولذلك نكفر بالدولة المدنية، والديمقراطية نرفضها ونرفض وجودها، ونرفض الدخول فيها، ونعلن المعارضة لمن دخل فيها. 
الغريب أن عشوش اتهم الإسلاميين الذين يمارسون السياسة بالكذب، وقال إنهم يمارسون الفجر السياسي.
قال لى بكل صراحة: أنت صحفى تمارس الجدل السياسى، وعملك حرام، والإعلاميون بالجملة يمارسون جدلًا سياسيًا، وهؤلاء لا صناعة لهم إلا حرب الله ورسوله، متساءلاً: ما هي القيمة في الرقص الشرقى؟ هل هناك علاقة بين صناعة الطائرة والرقص؟ والأمن والرقص؟ ومن المسئول عن هذا الانحراف غير الدستور الوضعي والديمقراطية التي يمارسها الإسلاميون الآن. 
اعتبر عشوش أن حربه للعلمانيين من أوجب الواجبات، قائلاً: يا سيدي تجربة العلمانيين خطيرة، ونحن سمعنا عن سعد زغلول المقامر، الذي باع 400 فدان من أجل لعب القمار، فكيف أسلم رأسى لمقامر، ومن يطلب ذلك فهو “قواد“، ولا أرى أى سياسي في بلادي، وحين يوجد سأكفره لكننى سأحترمه.
وأضاف: السلفيون قالوا للجماهير إنهم سيدخلون اللجنة التأسيسية لتشكيل دستور إسلامى، ودخلوا الانتخابات، فلما فازوا اختاروا لجنة علمانية بنكهة إسلامية، وجاء الدستور علمانيا، أشد كفرا من الذي سبقه، وهم بهذا الشكل خانوا الدين. 
الحوار بينى وبين عشوش تجاوز الثلاث ساعات، وكان طويلاً جداً، وزادنى ذلك شغفًا أن أتابعه كثيراً، حتى فوجئت ذات يوم بـ”عشوش” يقول لأنصاره على شبكة الإنترنت “إنهم سيثأرون من ضباط أمن الدولة، وضباط مصلحة السجون، حتى يتوبوا ويعودون إلا إسلامهم مرة أخرى”.
في فتوى أخرى له، اعتبر عشوش “أن جميع حكام العرب لا يحكمون بما أنزل الله ولذا فهم مرتدون وكفرة لأنهم يعادون الإسلاميون تظاهروا به وكل حاكم يقدم مساعدة لفرنسا فهو مرتد يجب قتله، كاشفاً عن أن الجهاديين يمتلكون جهاز مخابرات منظم يتخابرون به على الدول التي تعادي الإسلام، ويمدون به المجاهدين على الجبهات، داعيا جهاديي أوروبا إلى إمداد هذه الجهاز بمعلومات مميزة عن حكومات الدول التي يعيشون فيها.
أصبح خطر عشوش داهماً، وعقب سقوط مرسى وعزله، تم القبض عليه، وأودع سجن العقرب، وأصبح زعيم أنصار الشريعة إلى هذه اللحظة بين الجدران، وأتوقع أن يخرج أشد تكفيرًا وتطرفًا.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.