أيها الحبيب البعيد – القريب كحبل الوريد – لكَ حالي هذه المساء أحيا بسَلامٍ غريب ، سلامٌ على عينٍ لا تَرى سواك ، على أحلامٍ ملونة بطيوف الحسن – وجهك – و وميضٌ أصمُّ على جبهةٍ مَهزومةٍ تفتقدُ دفء القُبل ، و نظرةٍ هائمة غائمة تبحثُ عن ملامح معشوقة فتعود خائبة بعدما تكون تكسرت مراراً إثر صدامها بجدرانِ الوحدة ..
– حقيقةٍ غائبة ..!
– أمراةٍ ترتدي الحزنَ لُباساً شاحباً غبّر ..
هذه الليلة وحشَّيةٍ ، قاسية .. الصّقيع قارص جداً هذا المساء ، كل شيء فارغ و سطحي إلا ذاك الوريد الذي وعدتُك ان تكون به نبضة أن احوّل عشقك إلى كريات دم راقصة سارية بهذا الوريد .. أراك الليلة تقيم احتفالا كبيراً بداخل الأوردة ، تتجول بكل الزوايا و تراقص كل المنحنيات .. يا إلهي .. يغلفني الصمت و بداخلي مدينة تحكمها أنت .. مدينة ثائرة صاخبة ، مدينة من الضجيج ..
– أهي المسافة تلك التي تصنع أكوان جديدة و فضاءات رحبّه و أقواس قزح كثر بألوان اللهفة و التوق و الوله !؟.
– أهو الوطن ما نسكن فيه أم ما يسكُن فينا ؟!
كم هي رقيقة تلك الستائر على نافذة الذاكرة بيني و بين عينيك !
هذه الليلة من وجهي وعينيّ تتناثر ألوان الشحوب . ضوء خافت ، و غيمة من دخان الإحتراق اشتياقاً ، صدري كثوبٍ مُمزق يخرج قلبي من ثقوبه ، يجالسني ، نتسامر عنك ، نثرثر كثيراً حول صورةٍ لك مُعلقة على حائط الذكريات ، و القلب – يرجف –
يدنو من الصورة ، يتشبثُ بها و يجلس .. يتفقد داخله ، ينزعُ عنه كل شيء ” صور . مواعيد . تواريخ . ذكريات . ملامح قديمة ” يتفقد كل شيء ، ثم يزرع الصورة بداخله و هو يتمتم بإرتجافه – تلك الصورة أغرِمتُ بها ، و هذا الرجُل عشقته – ..
أنظرُ إليه بتعجُب ، أحمله بين يدي ، أعيدهُ بصمتٍ إلى صدري .
– قلبك يرجُف .. قلبي يعشق ..
– لوقع خُطاك بأوردتي لحناً شجياً و عطر الياسمين و أغنية ..
أعود إلى الواقع أضيء أخْفَت اللمبات ظاهرياً لا شيء هُنا ، صمتٌ ، هدوء و برودة ، أتنفسّ عميقاً ، أدخّن سيجارةً طويلة، وأفكّر جيداً ، أحسَستُ بثقلٍ يخنِقُني ، ثقلٍ يحبسُ أنفاسي ، يُكبّلُ صوتي بالحنجرة ، بصعوبة كالاحتضار ، استجمع ما يلبي إرادتي من احبال مُهترئه ، و اتسائل :
– تباً.. لمَ استيقظتُ الآنَ ؟
ما أجمل أحلام اليقظة حين تكون لك و بك و معك …
اُحبك .