الامير ابوعيشة امام مسجد الحسين يكتب….. تعديل السلوك

ترجع أهمية تغيير السلوك العشوائي لمسئولية المرء عن سلوكياته من خيْرٍ وشرٍّ، قال تعالى: (فمَنْ يَعْمَل مِثْقَالَ ذرَّةٍ خيْرًا يَرَه* ومَنْ يَعْمَل مِثْقَالَ ذرَّةٍ شرًّا يَرَه)[الزلزلة]، فالعبد ينفّذ أفعاله وأقواله الاختيارية بإرادته وقدرته على فعل الخير أو الشر، فمن ساء سلوكه يسئل عنه في الدنيا والآخرة، لما منح الله العبد من الإرادة والقدرة، لذا يطالب الشرع بتعديل السلوك للأفضل والأحسن، لقوله: (إنّ اللهّ لَا يغيِّر مَا بِقَومٍ حتَّى يُغيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد]، فمن الممكن تعديل السلوك العشوائي بتغيير ما بالنفس المترتب عليه تعديل السلوك وتغييره.
وإن تعديل السلوك له جانبان: أولهما داخلي بتغيير النفس للأزكى والأطهر، ويكون بتزكية الفرد وتربيته إرادته وعزيمته بقصد تعديل سلوكه العشوائي لسلوك حسن طيب، وهذا يحتاج لبذل جهود مضاعَفة، لأنّه ينوي ثم يستحضر الدافع وغالبًا يكون ماديًّا كبلوغ الرفاهة والصحة والقوة.. إلخ، ثم يُمارس التعديل لبلوغ هدفه وتحقيق أمله، لأن تنمية الإرادة والعزيمة يتحقق بتوجيه القصد واستحضار النية، وهذا جانب إنساني محْض، وقد يشترك المؤمن والملحد في هذا الجانب، ويتفوق من ملك زمام إرادته وعزيمته وغيّر ما بنفسه.
ويمكن تعديل السلوك العشوائي من الخارج وهو الجانب الثاني لتعديل السلوك، ويكون بوضع قانون حكيم جازم، يراعي مصالح العباد، ليسير الناس وفق مواده، بلا تفرقة بينهم، ووضع الله قانونًا تشريعيًّا مشهودًا له بالكمال، ضبط سلوكيات البشر، وحدّد علاقاتهم، فالمعلوم أن القرآن هو هذا القانون الضابط للسلوك، قال: (إنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمُنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)[الإسراء]، وانقطع نزول القرآن لكن بقيت هدايته إلى يوم الدين، فالكتاب هدى وهداية، فأمر بفعل كل سلوك حسن طيب، ونهى عن مقارفة السيئات، ثم ضمن الله المعونة للعباد فقال: (إيّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة]، كما ضمن التوفيق للعبد الصالح، فقال: (وَمَا تَوْفَيقِي إلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)[هود].
ويمكن تعديل السلوك بالعبادات كدافع لتعديل العبد عاداته السلوكية، فمثلا الصوم يقوّي الإرادة والعزيمة بالجوع والعطش تعبدًا لله، وفي الحديث (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم)، وفي المقابل نجد أن الصائم إذا قال كذبا أوغيبة وارتشى.. يقول فيه النبي (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش)، وبقية العبادات تهيئ المسلم لتهذيب سلوكه للأحسن.
ومن الممكن تعديل السلوك بالنصح والتزكية، قال تعالى: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) [البقرة]، والتزكية من وظائف النبي تربية تنشد تغيير العادات السيئة لعادات حسنة فاضلة.. فالنبي يهدي ويرشد الناس ويدلهم على أعدل وأقوم سبيل، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[الشورى] وسما النبي بدوافع أمته ومقاصدها، فبلغ الصحابة المجد إذ خالفوا ما ألفوه قبل الإسلام، وغيّروا من عاداتهم وصار أسمى أمانيهم بلوغ رضوان الله، والداعية البصير الوريث يمكنه تعديل سلوك جمهوره بالنصح المؤثر، والقول المعبر، قال تعالى: (وَمَنْ يُضْلِل فَلَنْ تَجِدْ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا)[الكهف].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.