نصفان … قصة قصيرة بقلم: خالد الطبلاوى

في ذكرى زواجهما الخامس والثلاثين جلست إلى المرآة مريضةً مجهدة ، راحت تتأمل سحائب الشيب وتقرأ رسائل التجاعيد وتنصت إلى أحاديث النمش والصفرة .

تجمد الزمن وتوقف الدوران فلم تشعر بطول مكثه وراءها
قال لها وقد ترهلت الحجرة وابتأست الستائر وتململت الفُرُش :
ما بك حبيبتي ؟! …… أنا هنا

ردت بصوت مثلج يحاول أن يكتسب بعض الدفء متحسسة وجهها بكفيها دون أن تلتفت :
خمس وخمسون عاماً وستة من الأبناء وبذل وعناء يساوي نصف امرأة

قال مداعباً :
مسألة حسابية خاطئة يا معلمة الحساب ، بل قولي : تبخر الماء وبقي الخير مركزاً
صمتت طويلاً وهي تعتصر ذراعيها بكفيها وتنكمش كأنما تستجمع شيئاً لا يريد الخروج منها قبل أن تفاجئه :
لم يضيق الله عليك ؛ ولديك سعة ؛ وبكل سماحة نفس وحب أقول لك : جدد فرشك .
قالتها مع ارتعاش وجهها الذي لم تغادره آثار الحسن

اقترب منها ثم جثا على ركبتيه لينظر معها في المرآة ثم أحاطها بذراعه حباً وتحسس وجهه قائلاً :
ولكن الفرش الجديد لا يرضيه أبداً نصف رجلٍ وستون عاماً وستة أبناء وجسد رسم عليه الدهر لوحته وقلب تملكه نصف امرأة
تهلل وجهها وبكت فرحاً وعانقته بلهفة ليكمل النصف نصفه الآخر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.