د.مجدي الداغر يكتب …..الشيخ محمد حسان … وحلم مشيخة الأزهر .

أتصور أن العلاقة بين الحاكم ورجال الدين في التاريخ المصري علاقة قديمة جداً ومتشابكة ومعقدة للغاية وغير قابلة للاختفاء ولو أقسم من يملك السلطة على ديباجة وكل مواد الدستور والقانون، وأقسم رجل الدين على المصحف والإنجيل معاً، فالحاكم دوماً يريد أن يظهر لشعبه بأفضل ما يكون من الصلاح والتقوى ، بينما يسعى رجل الدين إلى تحقيق أكبر استفادة مادية من السلطة وجزء من نفوذها وبعض الصلاحيات له ولعائلته، وبالتالي لا مانع لديه من تمجيد من يملك السلطة ويصدر القرار حتى أنه أحياناً قد يمنحه بعض صفات الألوهية والعياذ بالله .

في عام 1975 أفتى الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر بأن الصُلح مع إسرائيل حرام ولا يجوز شرعاً، إلا أنه ومع نهاية عام 1976 أفتى هو نفسه بأن الصُلح مع إسرائيل حلال وجائز شرعاً ، أما عام 1977 حينما تظاهر المصريون احتجاجًا على ارتفاع الأسعار، وأزمة الخبز، تصدت قوات الشرطة بكل حزم لتلك المظاهرات، ولكنها لم تهدأ ، ولجأ الرئيس أنور السادات حينها إلى الأزهر، وخرج الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر بفتوى يؤكد فيها أن “هذه الاحتجاجات من أعمال الشيطان يُراد بها الدمار لمصر وشعبها، وأن الاشتراك في أعمال الشغب والمظاهرات بمثابة خروج على الدين”، وجاء بذات الأدلة التى جاء بها السلفيين عندما أفتوا بحرمانيه الخروج ضد حسنى مبارك في 25 يناير .

وتؤكد الكثير من كتب التاريخ على الحضور الدائم لرجل الدين المؤيد للسلطة في قصور ودواوين الحكم في مصر قديماً وحتى الآن، وإن اختفى رجل الدين المعارض للسلطة زمن حسنى مبارك سنوات معدودة ، بينما خرج المؤيدين من رجال الدين وأعلنوا أنه لا يجوز الخروج على الحاكم أمثال الشيخ محمد حسان وحسين يعقوب ومسعد انور والشيخ أبو اسحاق الحوينى نفسه ، كما أفتى الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بعدم الذهاب إلى صلاة الجمعة يوم 28 يناير، وأن من يدعو إلى النزول للمظاهرات ليس في قلوبهم ذرة من الإيمان، وأن النزول في المظاهرات حرام وتُعد خروجًا على الحاكم ، وهى درجة من درجات المعصية لله وللرسول.

وبعد ثورة يناير ونجاحها وتنحى مبارك عن السلطة ظهر رجال الدين أنفسهم وقد أعلنوا انحيازهم لثورة الشباب في يناير، وأن ما حدث في مصر هو عقاب من الله للحاكم الظالم حسنى مبارك والبطانة الفاسدة من رجال أعمال الحزب الوطني ولجنة سياسات جمال مبارك ، وقالوا أنهم مع الشعب والسواعد الشابة التي سوف تبنى البلد وتُعيد إليها أمجادها ، إلا أن بعضهم عاد على استحياء مرة أخرى أمثال الشيخ محمد حسان وأخذ يمجد السلطة التي تحكم ويدعوا لكل أعضاء المجلس العسكري نفر ..نفر من أعلى مكان في جبل عرفات دون ان يطلب منه أحد ذلك ، ولكن هو حلم الصعود للسلطة وكرسي مشيخة الأزهر، وهو الحلم الذى أخذ يراود الشيخ حسان حتى انقطع هذا الحلم تماماً بظهور الدكتور أسامة الأزهري المستشار الدينى لرئيس الجمهورية ، ولعل البداية كانت بتأسيس ما عرف ببيت العائلة برئاسة شيخ الأزهر وحرص الشيخ حسان على الظهور بجوار الدكتور أحمد الطيب أو قريب منه بمناسبة وبدون مناسبة ، ويدعمه في تحقيق هذا الحلم تعليمات خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع للإعلام والمواقع الإلكترونية بمتابعه جميع أنشطة الشيخ حسان وتغطية جميع خطبه ودروسه بالصور والفيديوهات ونشرها على الفور دون مراجعة من الديسك المركزي في اليوم السابع ، وكاد الحلم أن يتحقق مع وصول جماعة الإخوان المسلمين للسلطة حيث أدرك الشيخ حسان وكل شيوخ السلفية أهمية التقرب لجماعة الإخوان باعتبارهم أبناء عمومة في الدين والفكر، وأن هذا هو زمانهم حتى يلعبوا سياسة بجانب الخطب والدروس الدينية باعتبارها مصدر عزهم وملء بطونهم ورفاهيه أبنائهم ، إلا أن الإخوان كان لديهم البديل لأحمد الطيب شيخ الأزهر من داخل مكتب الإرشاد وهو الدكتور عبد الرحمن البر مفتى الجماعة وعميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالمنصورة ، ورغم ذلك حاول الشيخ حسان تقديم نفسه من جديد بعد المظاهرات الطلابية التي تنادى بإقالة شيخ الأزهر ورفض قيادات الإخوان طرح أى بديل إخواني في ظل الأزمة الآن ، تزامن ذلك مع تراجع دور بيت العائلة المصري الذى أسسه شيخ الأزهر وبابا الكنيسة وعدد من رموز الإخوان والتيار السلفي، إلا ان الوقت لم يكن مناسباً للشيخ حسان بعد تراجع حالته الصحية والقبض على شقيقه وهبه حسان لتنفيذ حكم صادر ضده بثلاثة سنوات في قضية نصب على معرض سيارات.

لم ييأس الشيخ محمد حسان من المحاولة وقام بالدفع بالدكتور طلعت عفيفي في وزارة الأوقاف بحكومة هشام قنديل تمهيداً لإعادة تقديم نفسه مرة أخرى بعد المؤتمر الجماهيري الحاشد الذى شهده استاد القاهرة بحضور محمد مرسى ورموز التيار السلفي والدعوة لمناصرة سوريا وأهل السنة والتوحيد وإبادة الرافضة” الشيعة” في سوريا ولبنان ، وقتها كان الشيخ حسان هو الأقرب لمنصب شيخ الأزهر بعد أن تم الاتفاق مع التيار السلفي على توليهم بعض المناصب داخل الحكومة والجهاز الإداري للدولة وتعيين اثنين من قيادتهم في قصر الاتحادية كمستشارين لرئيس الجمهورية ، وانتظار الفرصة المناسبة وتهيئة الأجواء لترشيح الشيخ حسان لمشيخة الأزهر على الرغم من انه خريج كلية الإعلام جامعة القاهرة وليس من خريجى جامعة الأزهر، وهو ما حاول الشيخ حسان تجاوزه عندما اعلن عن مناقشته للدكتوراه بإحدى قاعات جامعة الأزهر في موضوع الجوانب الإعلامية في دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وتكونت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة من الأستاذ الدكتور طلعت عفيفى والأستاذ الدكتور محمد العدوى وهما من أساتذة الجامعة وعمداء سابقين بجامعة الأزهر ومن اعلامها وثالثهم كان هو الدكتور محسن جبر وكيل كلية الآداب بالمنصورة الأسبق والمشرف على الرسالة .

لقد أوهم الشيخ محمد حسان الجميع أن درجة العالمية أو الدكتوراه التى حصل عليها من جامعة الأزهر ، وخاصة وأن المناقشة تمت داخل قاعات الجامعة ، وكانت المفاجأة أن الشيخ حسان كان قد استأجر قاعة من قاعات جامعة الأزهر لمناقشة رسالته التي لا يعلم أحد حتى الآن اسم الجامعة التى منحت الشيخ حسان درجة الدكتوراه ، ولماذا كان حرص الشيخ حسان على أن تكون المناقشة على الهواء مباشرة على قناة الرحمة من داخل جامعة الأزهر، وكيف للشيخ أن يحصل على درجة علمية لم يتسنى له حصوله على الدرجة الأدنى منها وهى درجة الماجستير، حيث حصل الشيخ على الدكتوراه مباشرة وكأن الدرجة الأدنى وهى الماجستير ليست في الحسبان.

أتصور أن المحزن في موضوع دكتوراه الشيخ محمد حسان أن وجه الدعوة لعدد محدود جداً من أهل قريته “دموه” ووجه الدعوة إلى كل أساتذة وعمداء كليات جامعة الأزهر بما فيهم شيخ الأزهر نفسه ، والملاحظ أنه وأثناء المناقشة التى لم تكن مناقشة علمية مطلقاً وإنما قصائد من المدح والثناء والتمجيد في إبداعات الشيخ حسان وأسلوبه ومفرداته الرائعة ، بيد أن الملاحظة التى أخذها الدكتور طلعت عفيفى وزير الأوقاف السابق هى أن الرسالة التى أعدها الشيخ محمد حسان كبيرة جداً ثم دعاه لأن تترجم الرسالة بأكثر من لغة حتى يتسنى للدعاة وطلاب العلم الاستفادة منها ، وبالمناسبة كان الشيخ طلعت عفيفي وقت المناقشة يقدم برنامجاً يومياً على قناة الرحمة الدينية، القناة التى يملكها الشيخ محمد حسان من خلال شقيقه قيل وقتها أن الدكتور طلعت عفيفي والدكتور العدوى أعضاء لجنة المناقشة كان يتقاضى كل منهم راتباً شهرياً حوالى 25 ألف جنية .

لقد تصور الشيخ محمد حسان بعد هذه الخدعة التي صنعها بذكاء أنه أصبح أزهرياً ، وأن ترشيحه لمنصب شيخ الأزهر سيكون مقبولاً ولن يلقى معارضة حتى من الأزهريين انفسهم ، وخاصة وانهم تابعوا مناقشته لدرجة الدكتوراه من داخل جامعة الأزهر وعلى الهواء مباشرة على قناة الرحمة وظلت تعرض لأكثر من شهرين مرتين يومياً ، وقامت اليوم السابع بفتح صفحة على موقعها الإلكتروني لكل من أراد تهنئة الشيخ حسان بحصوله على الدكتوراه من جامعة الأزهر .
وعلى الرغم من علم الأستاذ خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع من ان الدكتوراه التي حصل عليها الشيخ حسان ليست من جامعة الأزهر ، أو حتى من أحد فروعها في الداخل أو الخارج إلا أنه تعمد على تصدير الخبر لوكالات الأنباء والصحف المصرية والعربية على أن جامعة الأزهر هي التي منحت الشيخ حسان درجة الدكتوراه تمهيداً للدفع بالرجل لأن يصبح شيخاً للأزهر باعتباره أحد خريجيها، ثم يقوم التليفزيون والإذاعة المصرية بنقل دروسه وخطب الجمعة له على الهواء مباشرة ومنها خطبه الجامع الأزهر، كما تم فتح مدرجات الجامعات لمحاضراته التوعوية باعتباره عالم جليل وسلفي مستنير وإخواني في السلطة وحاصل على الدكتوراه في العلوم الشرعية ومن جامعة الأزهر.

وبعد سقوط حكم الإخوان حاول الشيخ محمد حسان العودة من جديد فترة حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور عن طريق الإعلان عن مبادرات للصلح مع جماعة الإخوان المسلمين ووضع نهاية لأعمال العنف التي يشهدها الشارع وعلى الحدود مع ليبيا والسودان وقطاع غزة ، إلا ان الكثير من القوى السياسية والشبابية رفضت بقوة الصلح مع الإخوان ومبادرة الشيخ حسان ، واختفى الشيخ محمد حسان عن الأنظار لأكثر من ثمانية شهور، حيث لم نعُد نسمع عنه إلا من خلال الإعلان عن مرضه بشريط متحرك على شاشة قناة الرحمة ومطالبه أنصاره الدعاء له ، ثم عاد من جديد بعد تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي وأعلن مرة أخرى عن مبادرة لوقف أعمال العنف والدماء التي تسيل في سيناء دون وجه حق ، إلا أن المبادرة قوبلت بالرفض أيضاً من شباب الإخوان الذين أعلنوا أنهم لم يفوضوا الشيخ حسان للصلح مع النظام أو غيره ، وكذلك أعلنت القوى السياسية رفض المبادرة التى أعلن عنها الشيخ حسان وأكدت أن القرار في يدى الشعب وليس في أيدى الرئيس.
غداً…الدكتور أسامة الأزهري … شيخ الأزهر القادم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.