وأنا اقلب فى صحافة زمان وتحديدا فى عام 1955م،وجدت إحدى المجلات كانت تنشر بابا شيقا جدا ، به الكثير من الأسرار اسمه (كرسى الاعتراف) ، ومن أجمل حلقاته كانت مع العملاق، عباس محمود العقاد، فإخترت بعضا من اعترافاته ..
هل يعرف احد من اين لي باسم “العقاد”؟
يجيب العقاد : لا احد طبعاً.. وهناك غير هذا اشياء كثيرة لا يعرفها الناس عني، اشياء قد تبدوا غريبة. لكنني اقولها في هذا المقام لاول مرة اما اسم “العقاد” فاذكر ان جد جدى لابي كان من ابناء دمياط، وكان يشتغل بصناعة الحرير، ثم اقتضت مطالب العمل ان ينتقل الى المحلة الكبرى حتى يتخذها مركزا لنشاطه، ومن هنا اطلق عليه الناس اسم “العقاد” اي الذي “يعقد” الحرير.. والتصقت الصفة بنا، واصبحت علما علينا.
وقد تعجب اذ تعلم ان جدنا الاكبر من دمياط، مع ان الجميع يعرفون انني من اسوان، حيث ولدت ، ولقد تضاربت الاقوال في شأن مسقط رأس اسرتنا، حتى ان احد الصحفيين كتب ذات مرة يقول: “ان عباس العقاد امه سودانية اسمها “بخيته” وانه – اي انا – قد اخلت حرارتي وحماستي من امي.. والحقيقة طبعا على العكس من هذا، فامي، رحمها الله كانت شقراء جميلة، اصلها كردي، وكان ابوها لا يتكلم العربية، اما جدي فكان من قبائل ديار بكر.
– لقبني “سعد زغلول” بالجبار ..!
ولكن هناك فرقا كبيرا بين القسوة وعدم الرحمة، وانا اقول انني شديد الحساسية،حدث مثلا انني عندما سجنت، وقع بصري ذات يوم اثناء رياضتي اليومية على جلاد يهوي بسوطه على ظهر السجين… كان هذا المنظر كافيا لان اقع مريضا مدة اسبوع كامل، وظلت صورة الدم على ظهر السجين تشاغل عيني، بل ان ما ارقني هو صورة امتهان البشرية الى ذلك الحد..
– انا عاطفي الى اقصى الحدود ..
وهذا على خلاف ما يتصور الناس، ولقد احببت في حياتي مرتين.. سارة.. ومي.. كانت الاولى مثالا للانوثة الدافقة، ناعمة رقيقة، لا يشغل رأسها الا الاهتمام بجمالها وانوثتها ولكنها كانت مثقفة ايضا، والثانية وهي مي.. كانت قوية الحجة، تناقش وتهتم بتحرير المرأة واعطائها حقوقها السياسية، كما كان بها بعض صفات الرجال من حيث انها جليسة علم وادب وفن، وزميلة في حياة الفكر، اي ان اهتمامها كان موزعا بين العلم والانوثة.
– انا اتحدى التشاؤم ..
ولا اومن به، فانا اسكن منزلا يحمل رقم 13، والرقمان الاولان من تليفوني هما 13، وقد بدأت بناء منزلي باسوان يوم 13 مارس، كما اقسم ملازم كتبي 13 قسما، وفضلا عن هذا فانا احتفظ بتمثال للبومة، اضعه امامي دائما ، وانا استعين بغسيل الرأس بالماء الساخن على ابعاد الافكار السوداء عني عندما تتملكني…!
– وقد تسألونني عما دفع بي الى حياة الادب ..
واقول ان والدي كان يكتب في جرائد عبد الله النديم، وقد فتحت عيني لارى اسرتي كلها تؤمن بالدين، وتناقش الاراء الدينية، وكان من بين زائرينا في البيت رجل اسمه الشيخ الجداوي، كان حجة في المطارحة. ومنه تعلمتها، كما نمت عندي موهبة الكتابة في كثرة ما جلست في المجالس العلمية التي كان ابي يصحبني اليها، ومنذ ذلك الحين، لا يشغل وقتي الا القراءة والكتابة.
وانا اقرأ في كل العلوم والفنون مثل الكيمياء وعلم النفس – الزراعة – الطب – الفلسفة – وعندي محتويات دولابين من الكتب التي تبحث في علم الحشرات.
وقد علمتني كتب الحشرات الشيء الكثير من “الحشرات الادمية” كما عرف منها الحقائق السكولوجية والدوافع الطبيعية مجردة، وساعدني علم الحشرات كثيرا في كتاباتي التحليلية.
– ومن الكتاب الذين يعجبونني ..
الشاعر الالماني غايني وتوماس هاردي وكارثيل ومازلت، واناتول فرانس والكسيس، كاريل.. اما جوركي فهو اديب موهوب، ولكن كتاباته في موضو واحد جعلته محدوداً، وكذلك سارتر اقرأ له ولكنني لا احترمه.
ومن الادباء والشعراء القدامى احب، ابن الرومي والمتنبي والمعري والشريف الرضى، ومن المحدثين اقرأ لتوفيق الحكيم، كما اقرأ النقد الادبي للدكتور طه حسين، كما اقرأ للاستاذ محمود تيمور.
ولي رأي خاص في كل اديب من الادباء الجدد…
نجيب محفوظ: – مثلا – بعد سنتين سيصبح كاتبا عالميا، وقد اعجبت بافكاره واسلوبه ومعانيه.
عبد الحليم عبد الله: من احسن كتابنا في الاسلوب العربي.
احسان عبد القدوس: اسمى ادبه ادب الفراش.
يوسف ادريس: سمت عنه ولم اقرأ له بعد
بنت الشاطئ: تصلح مدرسة لا اديبة.
سهير القلماوي: مزيج من اديب وعالم.
صوفي عبدالله: كاتبة مجيدة وكذلك جاذبية صدقي.
ومن الشعراء الجدد اقرأ لنزار قباني ويعجبني شعره كثيرا.
– وقد يسألني الكثيرون لماذا لم اتزوج؟
واقول انني في شبابي شغلت بالمسائل السياسية كثيرا، حتى جاوزت سن الشباب، وانا اعتقد انه لا يجب ان يتزوج الرجل بعد سن الاربعين، ولكني مستعد ان اغير رأيي عندما تنزل على العروس الجميلة التي ترضى بي!!.
وعن أخر أمنية يقول العقاد : ان اظل اقرأ واكتب ما دمت حيا.