أحمد الصغير يكتب : تجديد الخطاب الديني بين المسيحية والإسلام

 

هناك مغالطة كبرى يلقى بها المتطرفون المسلمون فى وجوه المطالبين بتجديد الخطاب الدينى الإسلامى و هى اتهام هؤلاء التنويريين بأنهم لا يجرأون على الاقتراب من المسيحية أو مطالبتها بنفس المطلب المستنير ..

و فى الواقع إن هذه المغالطة تحتوى على عدة مغالطاتٍ معلوماتية و فكرية منها :

أولا :

 إن من طبائع الأمور و منطقيتها أنّ من يعتقد عقيدةً بعينها و يؤمن بديانةٍ دون غيرها عليه أن يكون ملمّا بها قدر استطاعته ’ محاولا دائما فهمها و استيعابها و الدفاع عنها بتبرئتها مما علق بها من افتراءات ..

 فالمسلم مطالبٌ بذلك فيما يخص الإسلام و لكنه لن يكون محيطا بتفاصيل الديانات الأخرى .. فللمسيحية – و لا شك – مستنيروها و المطالبِون و المطالبَون بتجديد الخطاب الدينى الخاص بها .

ثانيا :

 اعتبار أن المطالبة بتجديد الخطاب الدينى المسلم هو إبراءٌ للخطاب الدينى المسيحى من حاجته لنفس المطلب هو مغالطةٌ فى حد ذاتها .. فمن يقرأ و لو قليلا سوف يعرف أن الخطاب الدينى هو مأساةٌ تتشارك فيها كل الديانات .. و لكن بشكلٍ مختلف و مسمياتٍ مختلفة .. و سوف أكتفى هنا بمثالين فقط للتوضيح ..

 اعتقاد معظم المسلمين فى حصر الجنة على المسلمين – بالمعنى العصرى المحدود للكلمة – و حرمان أتباع الديانات الأخرى منها ’ بل و أتباع بعض الطوائف المسلمة الأخرى .. هذا الاعتقاد يقابله عند بعض الطوائف المسيحية اعتقادٌ مواز و مطابقٌ لكن يتم تسميته بمسمى آخر ( عدم وجود مكان بالملكوت ) لمن لا يعتقدون بنفس معتقد الطائفة سواء كانوا من أتباع الطوائف المسيحية الأخرى أو بالطبع أتباع الديانات الأخرى و منهم المسلمون ..

 المثال الآخر .. اعتقاد كثيرٍ من المسلمين بعدم جواز الترحم على أى متوفٍ غير مسلم يقابله نفس الاعتقاد عند بعض الطوائف المسيحية فى عدم جواز الترحم على أى متوفٍ لا يتبع نفس الكنيسة .. أى ينتمى لطائفةٍ مسيحيةٍ أخرى أو ينتمى لديانةٍ أخرى ..

 لهذا فأنا – كيقينٍ شخصى – أعتقد أن هذه الأفكار الإقصائية من رحمة الله و فردوسه هى من الفهم الخاطىء للبشر للنصوص الدينية .. و هى من إضافات البشر للديانات و ليست من صلب الديانات السماوية فى شىء ..

ثالثا :

 إذا كان الأمر كذلك و تساوت الديانات فى الحاجة للتجديد فى الخطاب الدينى ’ فلماذا ينصب الاهتمام على الخطاب الدينى المسلم دون المسيحى ؟!

الإجابة على هذا السؤال ذات شقين ..

الشق الأول منطقى و عقائدى ..

لأن ما يعتقده الآخرون عن مصيرى أنا بعد الموت لا يعنينى فى شىء .. حيث أنّ لدىّ إيمانٌ و يقينُ بأن الله – دون سواه – هو من بيده هذا المصير و هو من يجود بفردوسه على مَن يشاء من خلقه و يلقى فى جهنم بمن يشاء منهم .. و هو حق مطلقٌ و مجردٌ من أى استدراكاتٍ و سفسطاتٍ بشرية ..

 هذا الإيمان و هذا اليقين يعصمنى من الاكتراث بما يعتقده الآخرون عن مصيرى بعد الموت .. و يعصمنى من الخوف من إصدار حكمٍ بشرى علىّ بالكفر أو الحرمان من رحمة الله .. لأنه قطعا سيكون حكما صادرا ممن لا يحق له الحكم فيما لا يملك من فردوس أو جهنم ..

 لذلك فأنا لا أكترث بما يعتقده أتباع طائفةٍ مسيحيةٍ معينة عن مصيرى بعد الموت .. و أعتقد أنه من المنطق أيضا ألا يكترث المسيحيون بما يعتقده المسلمون عن مصيرهم بعد الموت .. لأن هذه كلها غيبيات لا يعلمها إلا الله ..

 و رفض المستنيرين المسلمين – و أنا أعتقد ما يعتقدون – لفكرة حصر الجنة على المسلمين دون سواهم لم يكن دفاعا عن حق المسيحين و غيرهم فى الفردوس .. و لكنه كان رفضا للفكرة ذاتها .. و دفاعا عن الإسلام ذاته .. و تبرئة له مما ليس فيه .. و تقديسا و إجلالا لحق لله – دون سواه – فى تقرير مصائر البشر ..

الشق الثانى  من الإجابة و هو الأهم هو شقٌ مجتمعىٌّ ..

إن الفارق بين ما يجب تجديده فى كلٍّ من الخطابين الإسلامى و المسيحى ’ أنّ أدبيات التطرف الإسلامى تشمل فكرة التطبيق جبرا على الأرض ’ بينما يظل التطرف المسيحى فى نطاق الأفكار التى لا تخص إلا أصحابها فالمسلمون يؤمنون بأن الإسلام يشمل جميع تفاصيل الحياة .. و يؤمنون بوجوب الجهاد.. و الاختلاف فى تحديد معنى الجهاد يقود – كما حدث فعلا – لوجود مجموعات مسلحة تفرض مفاهيمها على المجتمع بمسلميه و مسيحييه و بالقوة المسلحة و إراقة الدماء ..

 الخطاب الدينى المتطرف المسلم يتم ترجمته على الأرض و فى الواقع إلى أفعال و تقييد لحريات الآخرين .. و لا يكتفى هذا الخطاب بإظلام العقول التى يستوطنها ..

و هذا هو ما يهمنا .. المجتمع و الحياة الدنيا التى نتشارك فيها و لا يهمنا عقائد كل طائفةٍ عن مصير الآخرين بعد الموت ..

 و هذا هو الفارق بين مفهومين لحرية العقيدة .. الأول و هو أنْ تظل العقيدة كفكرة فى عقل من يعتقدها و لا تصطدم مجتمعيا بحريات الآخرين .. بينما المفهوم الآخر هو المفهوم المتطرف و هو محاولة فرضها على الآخرين ..

 إننى أرى أنّ الفكرة المتطرفة – فى الديانتين – بعدم الترحم على أى متوفٍّ مختلف العقيدة هى فكرة ساذجة و تنبىءُ عن تذبذبٍ فى اليقين بالله .. و أبدا لن تكون هى العامل الحاسم فى تحديد مصير هذا المتوفى ’ بل سيكون مصيره فى يد الله ..

 حتى الدعاء فى الإسلام – للمتوفى أو لغيره – لا يُقبل إلا إذا كان خيرا و لا يقبل الدعاء بالشر أبدا .. و عدم الترحم على المتوفى ينصب فى إطار الدعاء بالشر و لو كان بطريقة غير مباشرة .. حيث يحتاج المتوفى للدعاء – كما يعتقد المسلمون – و حرمانه من هذا الدعاء هو بمثابة شر .. و الله لا يقبل الدعاء بالشر ..

لذلك فهذه الأفكار لا يجب أن تكون محلا للنزاع لأنها بيد الله ..

 أما حين يكون الخطاب الدينى المتطرف معناه تحريم تهنئة الجار المسيحى أو تحريم بدئه بالسلام .. فهذا هو ما نحتاج إلى تجديده و الوقوف ضده لأنه خطاب يتأثر به بناء المجتمع بأكمله ..

 الخطاب الدينى المسلم هو الأولى بالتجديد لأنه المسؤل عن إراقة الدماء المصرية .. و المسؤل عن انغراس الطائفية فى عقول و قلوب كثيرٍ من المصريين ..

 الخطاب الدينى المسلم الأولى بالتجديد لأنه هو صاحب التأثير الأقوى سلبيا على المجتمع بأسره و ليس المسلمين فقط ..

 فالخطاب الدينى المسلم المتطرف يشمل فكرة هدم دور العبادة لغير المسلمين و من لا يصدق هذا الكلام فعليه قراءة فتاوى ابن تيمية عن الكنائس و ما كتبه ابن القيم فى كتابه ( أحكام أهل الذمة فى الإسلام ) و هما المصدران الرئيسان لكثيرٍ من فتاوى الجماعات الدينية المتطرفة ..

كما قالها عبد المطلب قديما ( للبيت رب يحميه ) .. قالها ثم اهتم بالبحث عما يملكه و هو غنمه ..

 فأنا أقول .. للغيبيات مثل الجنة و النار و المصير بعد الموت ربٌ يفصل فيها .. أما الدنيا و المجتمع فهى لنا و مسؤليتنا ..

 فدعونا نتمرد على دائرة الجنون التى مكثنا فيها طويلا .. و هى دائرة الشجار الخزعبلى على ما لا نملكه و لا يحقّ لنا أن نصدر أحكاما على أحد فيه ..

دعونا نتفق فيما نتشارك فعلا و واقعا فى ملكيته .. و هو الوطن .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.