في الشارع المقابل لبيتي
رجل مُسن بالكاد يتهادى الخطى
يتسند عبر الجدار ليصل إلى حديقته الخاصة
أناظره دائماً بأستغراب
لا يفعل شيئاً مميزاً
يأتي لذات الحوض المزروع من الورد الأحمر
يمسح بكلتا كفيه وجه الوردة
ليسقي وجهه
ثم يحدق بها طويلاً حتى تغرق لحيته البيضاء
بوابل من الدمع
اليوم أنتظرته كما هو معتاد
بعد أن تناول قهوته مع سرب من الحمام
في خيمة أعلى السطح
تهادى نحو حديقته
عبرت الشارع بهمتي العشرينية
رميت الصباح فأبتسم
ورد كيف حالك يا ولد
أمازال الفراق يضنيك
ودمع العين ماعاد يرويك
طئطئت الرأس ومشيت معه دونما فمٍّ ينطق
هو لم يغير شيء وحضوري المفاجئ لم يستفزه بأيتها حركة
ذهب نحو حوض الورد
مسح رأس الوردة
مسح لحيته ووجهه
وأشتم باطن كفيه المكللان بالعطر
وبدأ يجهش بالبكاء
تعودت أن أراه في هذه الحال
لكنني كنت حينها لا أرى الدمع من عيني سبعيني كيف ينساب
عينان مرَّ عليهما الوقت بكل ملامحه
بأفراحه وأتراحه
تنهد قليلاً ونظر إلي بجزء لا يكاد يبصرني من عينه
قال بصوت أجش أتدري ياولد
هي الآن بعيدة لم أرها ولن ترني منذ أربعون عاماً وأزد إليها قليلاً
هذا الحوض من الورد زرعته بكلتا كفيها
حملت قطع التراب على يديها الشبيهتين بقصاصة من اللازورد
كلما أقتربت منه لفحتني رياحها الممزوجة بالتوليب والورد
ضحكات صوتها… خطوات قدميها… صوتها القادم من خلف التلة
كل ذاگ لم يزل مركوناً هنا
يا ولدي أن تعشق إمرأة تتعطر بالتوليب يعني أن تكون نذراً لها
مرهوناً لأنفاسها
أينما ذهبت ستلاحقك رياحها العاتية
واليوم وبعد أربعين عاماً ياولدي
أحبها كما الأمسِ أكثر