إنه لمن دواعي السعادة والاعتزاز، أن أرحب بحضراتكم جميعاً هنا في هذا اللقاء السنوي المتجدد لمؤسسة ياسر عرفات في رحاب جامعة الدول العربية بيت العرب التي تؤكد دائماً اعتزازها ودعمها لهذه المؤسسة الموقرة وحرصها على استمرار قيامها بدورها وتأدية رسالتها وفاءاً وعرفاناً للشهيد الراحل أبو عمار.
وإذا ما كانت مسيرة هذا القائد الاستثنائي هي حكاية ونهج الشعب الفلسطيني المكافح اليومية تيمناً واستلهاماً وفاءً وعرفاناً فإننا اليوم نستذكر كفاحه وعزيمته وشجاعته وحنكته وحكمته وأيمانه بقضية شعبه وإخلاصه وتفانيه حتى أصبح القائد الرمز للقضية الوطنية والهوية الفلسطينية عنواناً للنضال والتضحية والكفاح لاسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس باذلاً روحه في سبيلها.
وإذ أحيي هذا الصمود الصلب وهذا الكفاح الفلسطيني المستمر دفاعاً عن المقدسات الإسلامية والمسيحية دفاعاً عن الحرم القدسي الشريف وفي مواجهة السياسات والممارسات الإسرائيلية وإرهاب المستوطنين فإنني على ثقة من وقوف كافة الدول العربية والإسلامية ودول العالم وتضامنها الراسخ ودعمها القوي لصمود الشعب الفلسطيني ونضاله وبسالته في الدفاع عن أرضه ومقدساته وحقوقه وإصراره على إنهاء الاحتلال واستكمال بناء دولته التي باتت تحظى رغم كل المعوقات ورغم كل السياسات والممارسات الإسرائيلية بدعم وشرعية دولية واسعة النطاق. ويجب هنا الإشادة بالانجازات التى تحققت فى السنوات الأخيرة بدءً من اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين كدولة مراقب بأغلبية كبيرة ورفع علم فلسطين لأول مرة مع أعلام باقي الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة وارتفاع عدد الدول التى تعترف بفلسطين والمواقف التى اتخذتها برلمانات عدة دول وغير ذلك من الانجازات والشواهد الإيجابية التى تؤكد أن الرأى العام الدولي يناصر القضية الفلسطينية وأن الحق لابد أن ينتصر فى نهاية المطاف.
وان جانب كبير من التحديات التي تواجه الوطن العربي والأزمات التي تعصف به، كان نتاجاً مباشراً لعدم قدرة المجتمع الدولي على حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً طبقاً لقواعد الشرعية الدولية، وعلينا ألا ننسى أن ظاهرة أو آفة الإرهاب العشوائي التي يعاني منها العالم اليوم بدأت في منطقتنا بإرهاب الوكالة اليهودية عام 1946 عندما فجرت فندق الملك داود فى القدس وأزهقت عشوائياً أرواح ما يقرب من تسعين قتيلاً. القضية الفلسطينية تظل دائماً القضية المركزية ليس في الوجدان العربي فحسب، بل على صعيد تأثيراتها وانعكاساتها على مستوى الإقليم ككل وعلى العلاقات مع الدول الفاعلة فى المجتمع الدولى. ولاشك لدى إن فشل المجتمع الدولي حتى الآن ممثلاً في مجلس الأمن في تنفيذ القرارات العديدة الصادرة من مجلس الأمن في شأن فلسطين يعتبر تحدياً مباشراً وخطيراً للنظام الدولي المعاصر برمته. ولاشك لدي أيضاً أن إسرائيل قد أصبحت تعتبر أنها فوق القانون وفوق المساءلة. وعلينا جميعاً تقع مسئولية إقناع المجتمع الدولي بمخاطر استمرار السياسة الإسرائيلية على مستقبل النظام الدولي.
وإذا ما كان تضامن الأمة فيما بينها دولاً وشعوباً وتضمانها مع قضية فلسطين وشعب فلسطين كقضية موحدة وواحدة للأمة جمعاء فإن وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة قواه هي واحدة من أهم المرتكزات ليس فقط كضمانة مؤكدة لقوة الموقف والصمود والنضال الفلسطيني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة بل وأيضاً لصياغة الموقف القومي وبناء التضامن العربي وتحصينه في مواجهة التحديات والقوى والنظم التي تسعى جاهدة للدفاع عن حياض الأمة وتوحيد كلمتها وصفوفها في إطار النظام الرسمي العربي وإطاره المؤسسي جامعة الدول العربية.
وفي هذا السياق وبقدر ما نؤكد الدعم والحرص على تعزيز الصمود والمقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي نؤكد أيضاً دعمنا لجهود المصالحة وإنهاء الانقسام الذي يستفيد منه بل يغذيه ويحض على إدامته وتعزيزه الاحتلال الإسرائيلي، كما أؤكد على دعم ًالجهود المخلصة التي تبذلها القيادة الفلسطينية والرئيس أبو مازن في هذه الآونة لاستعادة الوحدة التي آن لها أن تتحقق.
وكما هو معروف فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة فى العالم التى تعتبر عنصر كسب الوقت هدفاً استراتيجياً يتيح لها الاستمرار فى سياستها التوسعية عبر الاستيطان وخلق حقائق جديدة على الأرض، ويحقق لها تطلعاتها في الاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية.
وبالتالي فإنه من الضروري اللجوء مرة أخرى إلى المجتمع الدولى وإلى الأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن تحديداً لطرح تنفيذ القرار رقم 242 وانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلها عام 1967، والعمل على دعم المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي يقوم على أساس المرجعيات الدولية التى تم التوافق عليها، شريطة أن يتم ذلك ضمن إطار زمني محدد، وهذا تحدٍ كبير علينا أن نواجهه كمجموعة عربية قبل أن نطرحه على الآخرين. وهذا التحدي يستدعي توظيف كافة الإمكانيات العربية لبلورة تحرك دبلوماسي عربي مشترك على أعلى المستويات يتجه نحو الأمم المتحدة والعواصم المؤثرة فى القرار الدولي لتحقيق هذا الهدف، وتحقيق التسوية الشاملة وطرحها على أجندة الأمم المتحدة لاتخاذ القرار المناسب، ويتطلب نجاح هذا المسعى أن يكون الهدف واضح للجميع بما في ذلك الدول المؤثرة ومنها الولايات المتحدة الأمريكية التي تعلم إن إسرائيل تطبق سياسة عنصرية بحيث أصبحت آخر معاقل الأبارتايد والعنصرية في العالم المعاصر.
وفي هذا الصدد، لا بد من طرق جميع الأبواب المفتوحة وأيضاً الأبواب المغلقة، وهنا أوجه النظر إلى أهمية دعم حركات المقاطعة BDS التي يمكن أن يكون لها تأثير فعال على وقف الأعمال الاستيطانية، كما يجب أن نخرج من الإطار التقليدي Out of the Box والتفكير جدياً في حملة مقاطعة مدنية سلمية Civil Disobedience كما فعل غاندي في الهند للتخلص من الاستعمار البريطاني.
وفي ختام كلمتي، وفي ضوء انعقاد اجتماع مؤسسة ياسر عرفات من جديد في خضم ما تواجهه الأمة من تحديات عاصفة وما تمر به القضية الفلسطينية من تطورات أو محاولات إسرائيلية لكسر إرادة الشعب الفلسطيني، فإن على مؤسسة ياسر عرفات أكثر من أي وقت المضي قدماً لتأكيد الوفاء لنهج وتراث ياسر عرفات في التمسك بالثوابت والإصرار على النضال والإمساك بخيط الأمل وبالنور الذي كان يراه في نهاية النفق.
أود توجيه التحية الخالصة لأخي د. ناصر القدوة والجهود التي يبذلها على رأس هذه المؤسسة الموقرة ولكافة مساعديه العاملين لتحقيق الأهداف والطموحات متوجهاً بالتحية لحضراتكم مُرحِباً بكم فى بيت العرب ومتمنياً لاجتماعكم التوفيق والنجاح.