أنا الأم العاقر التي تردد كل ليلة : لا عصافير في حلقي لتغني لك ، الأم التي أنجبتك قبل الأربعين بقلق مرّ ، لست أختا” للغزالة يا ولدي ، جدة جدي البدوية أسمت توأمها بأسماء الوحوش وقد ماتت قبل قرن من الآن .
حفيدة الذئب أنا وأخوه النمر وأنا لست ليلى ، فلا غابة تمشي في دمي ، منذ ولدتك وأنا اكشط عن جسدي جلدي الميت ،حتى لا تنبت هناك امرأة أخرى وتنسبك إليها .
يدي التي لم تتلقفك حين دفع بك رحمي إلى الحياة ، يد شحيحة ، لم تلوح لك ولو بضمة حين ركبت دربا” شقيا” حملني بعيدا” عنك .
يومها قالت الطبيبة : ستقتلينه بجبنك هذا ، عليك أن تدفعي أكثر ، خذي شهيقا” زفيرا” .
أشجار الصبار التي زرعها حضورك في مساماتي يبست الآن ، ودفعت ومت ، ودفعت ومت ولم أسمع لك صوتا” . لكنك جئت رقيقا” كورقة خس طازجة ، طريا” ولزجا” دفعتي الأخيرة أطاحت بك فارتميت بين ذراعين غريبتين .
قالت لي أمي مرة : بأن أنثى الثديات من الحيوانات تحمل جراءها بين فكيها ، فكيف تخلينه وتمضين .
لا تصدق الجدّات يا ولد ، ولا تصدق تجعد أصابعهن وابيضاض شعورهن .
فالجدة التي لم تنجبك أنجبتني يا صغيري ، يدها الخشنة دست ملحا” في طياتك لتصير رجلا” وجدك الذي أغلق قلبه دوني ، فتحه على مصراعيه حين كبّر باسم الله الواحد الأحد في أذنيك .
ماأشنع الظلم يا ولد !، فراغات في دربي وسكارى يغنون وأنت بعيد ، أتناول شيئا” من الحزن معهم ليتنزه غيابك بعيدا” من هنا،
أصابعي سيئة الحظ حفظت لون بشرتك الشفيف ، لا ذنب لي ، كل الذين قصّوا ظلي لم يتركوا لنا سوى أن نراكم الخطوات ، أفتح أصابعك الزهرية وأقرأ طالع النهار (يوم سعيد يا ولد).
أفطن إلى قدمك المدسوسة في حضني ، منذ حملت بك كانت قدمك تندس في رحمي وتضربني فيهوي قلبي .
قالت الطبيبة : لن يصمد أكثر ، ولا تذهبي إليه راجفة ، سيري في منتصفه ، أهرول ما أمكنني وأعوي ، أتذكر لعنة جدي الذئب ،
لا ثارات لي معك لتأتي وأنت ابن سبعة ، أفكر بالبحر والظلم والحرب ، أفكر بكرات الزجاج الملونة في جيبك .
المسافة القاحلة التي تقسم قلبي بينك وبين شقيقتك ، كيف تشطر أم دمعها شطرين ، الأصوات في جمجمتي تتقافز ، تأتي من شق في الباب ، الخزانة الفقيرة بالملابس تدس أنفها في رائحتك فاغبطها ، ويصطك مشجب فارغ من رائحتي ،
وحدهم القتلة الذين فتقوا الدرب بيننا ، لم ينتبهوا الى شمعة من نوع رديء لم تمهلنا لنسوّي فرحنا .
صورتك في حقيبتي أصابع سكر مقشرة ، ويدي المشوهة لاتقوى على هش البرد عنك .
كم نخسر في لعبة الكبار هذه (في حرب الكبار شو ذنب الطفولة الخجولة)، سأقول لو لم تكن ، كنت سأكمل رسم هذه الصحراء بفتات الماء ، وأنقع ثيابك للغسيل وأقص أظافرك وتنادي ( مام ضعي لي كريما” مصففا” للشعر)، ونجلس لنتابع أفلام الرسوم المتحركة .
كل شيء غريب هنا يا (زين) .
الضباب الناهض أبدا” ، العجائز الذين ينزّهون كلابهم ، وبيوت بأسطح مثلثة ، عربات حديثة وابتسامات حاضرة أبدا” ، وديدان الأرض المهروسة بين أقدام اللاجئين العجولين .
كل هذا المطر لا يحملك إلي ولو بسيل ، سعيدة أنا يا ولد .
تعلق صديقة لي على صورتك في صفحتي على الفيسبوك (صباحك هو ) ، فصباحك يا ولد .