عليا محمد علي والاتجاه إلى إبداع مختلف …..قرأئه نقديه للقصه القصيره “في الطائر المتجه غربا”

د. حافظ السليم الحمدان / 

الشكر الجزيل الموصول مقدما للحوار المتمدن وللأديبة الكبيرة الأستاذة عليا محمد علي لما يقدمانه من جواهر نادرة وبعد : سأقدم هذه القراءة النقدية المتواضعة، تحليلا لمنجز أدبي من منجزات الأديبة المبدعة عليا محمد علي ، ويمكن القول إنه يستحق القراءة ويستحق أكثر …..بداية لن أناقش عنوان القصة الآن بل سأناقش التقنيات الفنية وكيف تمكنت الأديبة من أدواتها في صنع عمل أدبي جمالي متميز متفرد كتميز الطائر الذي غرد خارج السرب متجها إلى غير وجهة فتفرد وتميز بخروجه عن المألوف.
كما هو معلوم لدى الكثير من القراء والمهتمين بالشؤون الأدبية والنقدية والثقافية أن إبداع الأديب والمبدع الكبير وليم شكسبير تمثل بتوظيفه للتراث في أعماله الإبداعية …..وتميز الكثير من المبدعين في ذلك ولا مجال لذكرهم ، وما ذكر شكسبير إلا مثالا دالا لا حصرا وقصرا . يبدو الحس الشكسبيري _ إن صحت العبارة _ في قصة الأديبة عليا جليا في توظيفها لكثير من العناصر التراثية وبأساليب مختلفة ومن ذلك : أولا التراث الشعبي : حيث استدعت الأديبة جدة البطلة لأبيها وهنا رمز الماضي الجميل بما فيه من جماليات بسيطة وتداعيات للذكريات التي يتمنى كل إنسان أن تعود تلك الحياة البسيطة الخالية من التعقيد …….واستدعت _ موظفة_ عادة في التراث الشعبي وهي قراءة الفنجان والتبصر فيه في محاولة لكشف طريق المستقبل ذلك المجهول الذي يشكل أرقا وقلقا وحبا وخوفا في آن واحد للإنسان.
ثانيا توظيف الحدث التاريخي : طعن بروتوس لصديقه قيصر حيث جاء في القصة على لسان البطلة (ويستطيل الصراخ مدبباً كخنجر بروتوس الذي يطعن بكل حنان العالم .. قيصر ! ) وفي هذا الحدث الكثير من المعاني واستدعت على لسان البطلة شخصية ماري أنطوانيت وكثفت قصة إعدامها حيث جاء ذلك في أنطوانيت (! لست أعجز من ماري انطوانيت التي سلمت عنقها الجميل لحدّ الشفرة بلا اعتراض ! ) وهنا انزياح صادم للمتلقي فالبطلة عدت ماري جريئة في تقديم نفسها إلى الإعدام والبطلة أجرأ !
ثالثا: توظيف موروث إنساني معلوم في كل الديانات وهو كنوز سليمان حيث جاء التوظيف بقول البطلة (! فاغرة فاه كهوفي السرّية المليئة بكنوز سليمان ) ….. وهناك نقطة أخرى تمثلت بالتوظيف لكن ليس للتراث بل استلهمت النص القرآني وقامت بتضمينه على لسان البطلة وجاء ذلك في قولها فلطالما كان الحرف داري وضياعي وعصاً أهشّ بها على غنمي وعلى قطعان الهموم حين تأتي على حين غرّة ! ) ) توظيف التراث واستلهام النص دوافع يسهم في اثراء يثري الأفكار والرؤى المتعددة والمتنوعة ويضفي دلالات بليغة على كافة المستويات سواء أكانت على المستوى الفكري أم على المستوى الجمالي أم في إثراء ثقافة المتلقي أم على غيرها من المستويات ……والحديث عن ذلك يطول
الخيال العلمي في القصة : استدعت الأديبة عليا الخيال العلمي ووظفته في قصتها وظهر ذلك جليا على لسان البطلة في قولها (بفضول مركبة فضائية تقترب من زحل بدأت القراءة مستعينةً بفنجان من القهوة العربية الثقيلة كي ينبهني حين أغرق في غيبوبة الحرف فلطالما كان الحرف داري وضياعي وعصاً أهشّ بها على غنمي وعلى قطعان الهموم حين تأتي على حين غرّة ! ) وربطت هذا الخيال بالموروث الشعبي وباستلهام النص القرآني ولعل هذا يكشف عن الخيال المحلق الذي يطمح لكشف المجهول وحب المعرفة والمستقبل مع قراءة للماضي والحاضر معا واستنادا عليهما ، ومما أكد ذلك أيضا استدعاء فيلم الخيال العلمي ماتريكس الذي يتمركز في جوهره في محور ( المنقذ ) وجاء على لسان البطلة ( وسنين غفلتي تبدو مرتبة أمامي كمصفوفة ماتريكس تأمرني بمغادرة خطوطي الى كوكب أخر يأخذني اليه الحلم بمفتاح الأمل الذي كنت أعلقه بسلسلة في عنفي تتدلى على صدري طيلة الوقت ولم .. أنتبه ! ) حيث ربطت بوضح بين الأزمنة الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل الذي يشد البطلة أكثر.
الشخوص : البطلة و هي الشخصية المركزية والمحورية والرئيسة وهي نفسها صوت السارد وهنا تبرز الذاتية ( أنا الفرد ) في القصة، ترسم الأديبة ملامح نفسية البطلة وطباعها من خلال السرد ، ويبدو أنها في غاية الجمال الروحي وغاية الصفاء والنقاء وما أفصح عن ذلك كثرة التشبيهات البالغة الجمال المعبرة، والتدفق غير المحدود من الكلمات المحلقة في فضاء غير محدود من الجمال، ويبدو أن الأديبة اتقنت رسمها بتميز وأجرت على لسانها السرد بعفوية جمالية ……وهي إنسانة الحرف والكلمة قراءة وكتابة عاشقة لهما حد الشغف والهيام فالبطلة ترى أنهما الملجأ من هموم الحياة ، تجد فيهما نفسها وكيانها ووجودها، وتجد فيهما حياتها بحلوها ومرها، وتجد فيهما حياة من نوع آخر حياة ملائكية محلقة. ……..القراءة والكتابة كانت حياتها فخطفتها من الحياة وواقعها وروتينها وسلبتها ذلك سلبتها أن تعيش كما يعيش الناس العاديون إلا أنها لم تتب عن هيامها ولن تتوب وبذلك تفردت وتميزت عن قريناتها كما تفرد الطائر عن سربه باتجاهه.
أما الوصف المادي الملموس للبطلة فلم تصفه الأديبة وصفا مباشرا إطلاقا بل جاء تلميحا وذلك من خلال تخيل البطلة بأن نقطة الزيت التي في منشفة الاستحمام تخاطبها بلوم حاد رقيق فالبطلة على ما يبدو جميلة جدا على الرغم من كل همومها …….وكذلك ما جاء في وصف البطلة للقرط المتدلي على عنقها وتماهي البطلة مع ماري أنطوانيت الجميلة بل إنها تفوقت عليها في جرأة الجمال …….هذا التلميح البعيد يجعل المتلقي يعمل خياله مرات ومرات لا يصل إلى تجسيد صورة بطلة كالبيلسان أو غير ذلك بل كي يرى عجيب التمازج والنقاء والصفاء بين الجمالين : جمال الروح والجمال المادي الملموس فكلاهما تماهى حد الاندغام والاتساق والتناغم فالروح جسد والجسد روح بهذا التماهي العجيب ! الشخصية الثانية التي أخذت مساحة في السرد هي شخصية الرجل : وهو مجهول هنا غير معلوم الملامح لا اسما ولا رسما، في حديثها عن الرجل الكوكب، أو الكوكب الرجل بمداراته وهو زحل الذي يمثل إله الزراعة والحصاد عند الرومانوحلقاته من الجليد والغبار
ويبدو أنها اختارته لأنه يمثل البرودة وعدم وضوح الرؤية وعدم الثقة، وهنا نقطة توتر تؤدي بالقارئ إلى كثير من الاحتمالات، وكثرة الأسئلة التي يفوح منها عطر الدهشة تحقق عنصر الدهشة بصورة أعمق مما يحقق عنصر التشويق والبحث …..ويمكن القول إن الأديبة احترمت عقل المتلقي وأشركته في القصة كي يبحث عن المجهول بصوره وتنوعاته ويمكن القول إن هذا الرجل الذي دارت البطلة في مداراته هو الذي سبر أغوار روحها وفكرها وأفكارها وعقلها وفهمها بجرة قلم فشبهته بزحل بمداراته وكشفت هي عنه وعما يحمله من مشاعر، ويبدو هنا أن الالتقاء بينهما التقاء نوعي في كل مكوناتهما الروحية والفكرية والشعورية، التقاء ناتج من الكتابة.
الشخصيات الأخرى تم الحديث عنها في سياق توظيف التراث ( الجدة للأب …… بروتوس و قيصر ……ماري أنطوانيت …… السياب ) وجاءت هنا باعتبارها رموزا محملة بدلالات تمطر معان غزيرة.
الزمان في القصة : يسير خط الزمن بسهمين متوازيين متعاكسين لكنهما يلتقيان وينطلقان مرة أخرى وذلك على النحو الآتي : من الحاضر إلى الماضي ومن الماضي إلى الحاضر ويلتقيان بنقطة تداخل بين الماضي والحاضر تجمع بين الذكرى والواقع وتنطلق من جديد باتجاه قراءة المستقبل المجهول وتعودان إلى الحاضر وإلى التاريخ وأزمنته …….الزمن متراوح وحركته متداخلة بسرعة لكن ما يخفف سرعته وتداخله انسيابية الأفكار الممطرة أفكارا وأفكارا والتي تولد أفكارا وأفكارا تنبع من فكرة عميقة الرؤية لتصب في مصب مليء برؤى ورؤى وهكذا ….وبناء عليه يمكن القول إن الأديبة وازنت بدقة بين الأزمنة الثلاثة وبالتساوي ……ويمكن القول إن الماضي قيمة اعتبارية جميلة جدا …..الحاضر واقع مؤلم يسبب الإحباط والانتكاسات ……المستقبل المجهول والمأمول معا.
المكان : أولا الجلوس في مكان فيه شاشة ولعلها شاشة الحاسوب وبناء على ذلك أقرب إلى أن يكون مكتبا أو سريرا ، ثانيا غرفة مخفية الملامح ، ثالثا المطار ومقهاه ، الطائرة ، البحر ، الأطلسي ، لكن المكان الأبرز هو بغداد وحضوره القوي هو حضور اعتباري وجودي، فالبطلة استيقظت من خيالها عندما سمعت تكرار كلمة بغداد مرتين ، ومن الأمكنة. التي ذكرت وتحمل دلالات : النيل حيث تم التشبيه بطميه …..دار النشر وتشبيهها بدرجة من درجات النار وهي سقر …..السفن مكسورة الصواري، الكوكب ، زحل ….الخ ومن ذلك يمكن القول إن الأمكنة في القصة تعد رموزا ودلالات ومعان كثيفة محملة بالأفكار غنية بالرؤى وأضفت جماليات على الخيال المحلق.
المشاهد في القصة : مشهد الجلوس أمام الشاشة والقراءة واحتساء القهوة …..الانتقال إلى مشهد يفصل البطلة والمتلقي عن الواقع من خلال استلهام المشهد المتبلور في النص القرآني وتضمينه في النص السردي (الحرف فلطالما كان الحرف داري وضياعي وعصاً أهشّ بها على غنمي وعلى قطعان الهموم حين تأتي على حين غرّة ! ) بفنية عالية المستوى والخروج بصورة معبرة _ بفنية أيضا _ عن واقع حال مليء بالهموم …….مشهد النظر إلى الفنجان الذي شخصته بإنسان يعاتبها لأنها أهملت قهوته بسبب اندغامها بالقراءة حد التماهي ………..الانتقال إلى مشهد عدم الاكتراث بالكلمات التي تقال وتصوير ذلك بدقة وتصوير حجم الألم الذي تتركه هذه الكلمات التي تلقى ……الانتقال إلى مشهد تخيل البطلة أن نقطة الزيت من المنشفة تحاورها لائمة إياها وما يكشفه هذا المشهد من تلميح لجمال البطلة المادي الملموس ……..وفي هذا المشهد تشبيهات تفصح عن واقع حال الشخصية وطباعها ونفسيتها وبدقة متناهية …….الانتقال إلى مشهد القراءة وملاحقتها والتشبيه هنا جاء كمن يتسابق في ماراثون وأدخلت الفراشات الباحثة عن النور فهي باحثة عن الحقيقة تلاحقها وليس مهما لو أحرقتها واستنزفتها ………الانتقال إلى التساؤلات التي تكشف مشهد الاكتشاف ذلك الرجل الذي فهمها وكيف أنهما التقيا التقاء نوعيا بينهما في كل مكوناتهما الروحية والفكرية والشعورية ……مشهد الانتقال إلى حدث أفقدها الذاكرة حدث مرعب ففقدت الأمل أو خبا عندها الأمل لكنه أعاد لها نبضه من جديد فتدفقت في العروق حياة نابضة بكل ما هو جميل والسر هو الكلمات …..فللكلمة فعلها وقولها …..( في البدء كانت الكلمة )………….الانتقال إلى مشهد الوقوف على الأطلسي وغروب الشمس والأوراق المبللة وإنقاذها …….وهو مشهد تخيلي جعلها تسرح خيالها فيها أيقظها منه صوت النادل في مقهى المطار وهو ينادي بغداد وهنا مشهد واقعي على مايبدو تخلل المشهد التخيلي والمشهد الواقعي حالة تم تشخيصها وهي حزم الحقائب للخروج بها إلى عالم الرحيل بمفهومين الواقعي و الرمزي (الأفق وتتركني بمواجهة البحر والليل القادم لا محالة الذي يراودني عن نفسي للموت غرقاً أو عشقاً .. سيان ! )
اللغة والسرد وأسلوب الوصل والفصل بينهما : يلحظ أن اللغة متينة جزلة سهلة الفهم وسهلة الوصول إلى ذهن المتلقي وبهذه اللغة مدت الأديبة جسر تواصل بينها والمتلقي ليس للوصول إلى الأفكار والرؤى فقط الفكرة بل ليصل وبعمق إلى جماليات القصة بحد ذاتها وما فيها من تدفق عنيف للمشاعر فتتحقق المتعة والفائدة معا ويلحظ وجود الغلالة الشعرية في النص القصصي ومما زاد في جمالية هذه الغلالة بعدها عن الخطابية وانسيابها السردي كجدول ماء في نهار ربيعي لاتوقفه صخور أو حجارة حتى الصغير منها ، ولكسر رتابة السرد كي لا يحصل الملل عند القارئ جعلت الأديبة بطلتها تتخيل حوار نقطة الزيت كي تفيق من غيبوبتها غيبوبة القراءة ويبدو أن الأديبة وجهت كسرا وتحطيما للإيهام عند القارئ من خلال الحوار المتخيل من قبل البطلة ، وبذلك نجحت الأديبة بإيقاظ المتلقي من غيبوبة القراءة أيضا . راوحت الأديبة بين الجملة الفعلية والجملة الإسمية من خلال التداخل كما مزجت بن أشباه الجمل وما يلحظ تفوق شبه الجملة من الجار والمجرور بصورة أكثر وهذا المزج يدل على مزيج الأفكار ومزيج الطباع لدى الشخصية وأضفى بعدا جماليا في السرد وشكل حالة من التوتر المحمود لمسير السرد فرضته _ ربما _ حالة تميز الشخصية وتفردها.
وظفت الأديبة الكثير من مفردات الطبيعة الكثير: منها غابة البيلسان، ألف سوسنة، نقطة زيت، دالية العنب، الفراشات الليل، البحر، درجات الحرارة سواء أكانت في ارتفاعها ودفئها أم تجمدها، المطر. وجاء هذا التوظيف غزيرا كغيث انهمر في عروق السرد فأضفى جمالا آخاذا على القصة بكل مكوناتها كما تراواحت ألفاظ الحركة والصوت واللون بين ضدين هذا التراوح يفصح عن حالة الصراع بين الواقع والمأمول ( الحلم الجميل ) ووجود مفردات معينة أضفت واقعية على القصة واعتيادية منها : وجود الفنجان الموروث، والقهوة العربية، والمسمار، والخشب، والصاج، والمنشفة، والقرط والمفتاح، ومشهد حزم الحقائب، والمطار، ودار النشر ……الخ
ويمكن القول إن كثرة التسبيهات وجماليتها ارتقت بمستوى الخيال في القصة ليحلق مع خيال المتلقي في التخيل ويلحظ أن أسلوب السرد جاء متينا محكما، حيث أصبح القارئ جزءا من القصة فمن خلال تخيله الأحداث أصبح جزءا منها، وكذلك من خلال بحثه عن كل فكرة في كل كلمة وفي كل جملة وفي كل تركيب وفي كل تشبيه وفي كل حدث …..الخ
الذاتية والموضوعية : القصة تمثل البطلة، لكن الأديبة خرجت من ذاتية البطلة إلى الموضوعية من خلال الأفكار الكثيرة التي حوتها القصة والتي هي أفكار إنسانية ومن خلال الرؤى التي طرحتها وهي رؤى عامة إنسانية على الرغم من أنها تمثلت في البطلة، لكنها إنسان له طموح وكل شخص في هذا العالم له طموح …..وكما أنها تتحدى اليأس بالأمل والعمل والقراءة ولعل هناك من الناس من يفعل فعل البطلة .
القصة وأفكارها : القصة مليئة جدا بالأفكار والرؤى ويمكن الإجمال منها الآتي : الطموح ومعاركة الواقع لأجله مهما كانت الضريبة الحياتية الباهظة المدفوعة في سبيل ذلك، الأمل التيار القوي مقابل اليأس والإحباط، الخيال ودوره في تميز الإبداع، القراءة والكتابة عالم آخر وحياة أخرى فيهما الرفاهية والهروب من واقع متشظ مؤلم، طرح فكرة نقدية جدلية تقوم على الثالوث الآتي : المؤلف …..النص …..القارئ، مما يؤكد على أن الأديبة أضفت حسا نقديا عميقا بل رؤية نقدية عميقة وهذا ما جاء في المقطع الحواري المنبه للبطلة (! وما بين المؤلف والقارئ الآف القتلى الذين كانوا مجرد فكرة بين السطور تم تنفيذها حرفياً .. بالسكين ! أستمر في غييّ مُلاحقةً تلك السطور المكتوبة بعناية فائقة وأكاد أسابق ) ما رأيكم أليست هذه لفتة نقدية مهمة جدا ظهر منها نظريات كثيرة منها نظرية موت المؤلف ونظرية التلقي ونظرية التأويل وغيرها ! حلم البطلة وأملها في أن تصبح متميزة مشهورة من خلال الكلمات التي هي كناية عن الإبداع وهذا ما تجلى في نهاية القصة، حلم وأمل يتجاذبان بين واقع محبط مليء بمن يكسرون الأجنحة والمجاذيف …..وطموح محلق في سماء الإبداع، الواقع والاغتراب عنه، والأمل والطموح والاقتراب منه بالتحليق كالطائر المتجه مخالفا سربه ليحقق حلمه اللامستحيل! اللامستحيل! اللامستحيل! ويمكن القول إن ماجاء في نهاية القصة من قول على لسان البطلة : (إعداد فنجان قهوة آخر) ربما يشير إلى إبداع آخر جديد فنجان القهوة وما يحمله من دلالات منها أنه منبه وأنه موروث وأنه يعبر عن العادات والتقاليد ومنها عادات المثقفين والأدباء…. وغير ذلك الكثير، ولفت انتباه القارئ إلى الفنجان من خلال تكرار التركيز عليه بلفظه غير مرة وبوصف وجوده أو حالته في كل مرة مختلفة عن سابقتها ولو اختلافا بسيطا لفت الانتباه هذا تركته الأديبة دون أن تفصح عنه كفسحة ورفاهية فكرية للمتلقي كي يملأ فراغ المتوقع واللامتوقع….يمكن تعليل تفرد الشخصية( البطلة ) وتميزها بأن الأديبة المبدعة هي بحد ذاتها متميزة متفردة بإبداعها النوعي، ومنه هذه القصة التي تميزت على ما يبدو في كل عناصرها الفنية، ولعل هذا يدل على تمكن الأديبة من أدواتها الفنية والإبداعية وسيطرتها عليها، كما يبدو أنها تماهت مع شخصية القصة، ويمكن القول إنها تميزت بأسلوب منفرد جديد على الساحة الأدبية …..هذه القصة ببساطة يمكن دراستها على أي منهج نقدي وفي كل قراءة نقدية تكتشف رؤى كثيرة متنوعة مختلفة ……لا أبالغ في قولي إنه يمكن عد الأديبة عليا محمد علي ظاهرة أدبية إبداعية تستحق الدراسة وأدبها يستحق الترجمة ، أديبة ينساق لها الإبداع وأدواته طواعية وبتواضع أمام قامة شامخة متميزة …….. أديبة مبدعة استثنائية …..أبدعت في أكثر من نوع أدبي وتميزت وتفردت في كل نوع …….. بحق عليا محمد علي والاتجاه إلى إبداع مختلف .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.