بلاشك يا عزيزى القارئ أن فيلم الإرهاب و الكباب يُعد على رأس التجارُب السينمائية الجريئة و الشَرسة التى كانت اشبه بإرهاصة مبدئية و رسالة تحذيرية لا لِنظام اللص المخلوع المقبور حُسنى مُبارك فحسب بل لكُل نظام أتى و سيأتى مِن بعده و يسير على نهجه أو أسوأ منه ! و إلى يوم يُبعثون شاء مَن شاء و أبى و تهّكم مَن أبى و تهّكم أيضاً …
و نعود للفيلم حيث أوجاع المواطن المِصرى فى ازديادٍ مُستمِر مُطالباً المسؤولين بحياة كريمة لا أكثر و لا أقل و لكن يُقابلها صمتٌ حُكومى مُستفز ! فلا حياة و لا حياء لمن تنادى و قد نَسَجَ خيوط كُل ماسبق ” وحيد حامد ” و ” شريف عرفه ” و ” مودى الإمام ” فى توليفة كان مَضمونها ليس سهلاً على الإطلاق بعدما يتبادر لذهن المُشاهد مِن أول وهلة عن علاقة الإرهاب بالكباب ؟! فنتكتشف حين نغوص فى أحداث الفيلم بأننا ساذجون و راضون بالقليل الذى لا يوفره حُكامنا لنا ! رُبما لأنهم يستّكثرون علينا ذلك القليل أو لإهمالهم مطالبنا مِن الأساس بحجة الزيادة السُكانية التى أضحت حُجة أبدية لُكل مَن تولوا أمر بلادنا مِن الفشلة و مُضمرى الرؤى و الأفكار و مّرضى العُقول …
تبدأ أحداث الفيلم يا قارئى العزيز باصطدام عادل إمام ” أحمد ” بنماذجٍ مُتعددة للموظف المصرى كالمُلتحى غير المُهتم بمَصالح الناس و يُشغل كل وقته فى الصلاة حتى فى غير أوقاتها ! أو المَشغولة بتجهيز الطعام أو الذى ذهب إلى دورة المياة و لم يظهر بعدها و كُل ما سبق تم وسط حبكة درامية مُغلفة بلمسة كوميدية سوداء تقفز بنا كى تأخدنا لظواهر سلبية أخرى كالعسكرى المَقهور فى خِدمة سيادة اللواء و كُل أسرته و ماسح الأحذية الذى يشعُر بقهر الحياة و أخيراً فتاة الليل التى مطلوب منها تغيير أقوالها كى لا تُحبس مرة أخرى فالجميع فى دائرة واحدة و إن اختلف شكل المُعاناة …
أما ” مُجَمّع التحرير ” ذلك المّبنى الخدمى الحُكومى الذى تَتَمَثَل رمزيته فى ” البيروقراطية ” و وقف الحال حيثُ تتوالى الأحداث مِن خلاله إلى أن تقودنا لأحمد الذى يُفاجأ اثناء مُشادة كلامية مع فرد أمن بأن السِلاح قد أضحى فى يديه بالرغم كونه إنسانٌ بسيط و مُسالم و لكن فجأة يجد نفسه قد تَحوّل لإرهابى مُحتَجزٌ لرهائن ! و على الجانب الآخر تصلُ الداخلية عند المُجَمّع بفرقة كامله يقودها وزير الداخلية ليتكّهرب الموقف مَن حيث لا يعلم أحمد و لا يدرى فحسب بل لا يقصُد مُطلقاً أيضاً ! …
و تدور مُفاوضات بين الأمن و بين أحمد تنتهى بأكلة كباب !! باعتبارها طعام الأغنياء و لكن وزير الداخلية يرى أن هذا صعب فيَعْرِضُ عليهم وجبة من كنتاكى لكن المواطنين بكلِ إباءٍ يرفضوا المُنتج الأمريكى ( و هى مِن ضمن دلالات الفيلم ) و يتمسكوا بالكباب و هو المَشهد الذى يعبر بواقعية عن حياة الضنك للمواطن المصرى بعدما توقع الجميع أن يطلب أحدهم وظيفة أو هِجرة أو رُخصة حانوت مثلاً لكن يبدو ان الجوع الجَمعى كان هو السائد وقتها و كان الشَبَعَ هو المُهم ( دلالة أخرى ) أما ( الدلالة الأقوى ) هى أن الشَبَعْ سيحولهم فيما بعد من رهائنٍ بقبضة أحمد إلى مُناصرين لموقفه و هو إسقاطٌ هام و واضح لفكرة إشباع الناس و مِن ثَم تسود الحالة الرضائية و هو بمثابة ( دلالة أخطر ) لفكرة ان الإطعام يُمكن أن يقوم بدور الإلهاء عن مَشاكل أساسية حتى لو كانت مُهمة ! …
مِن وجهة نظرى أن هُناك مشهدٌ مُهم استخدمه وحيد حامد و هو تهديد أحمد لوزير الداخلية بإلقاء أنابيب البوتاجاز المُتواجدة بالمُجَمّع كى تنفجر و تُدمر المكان حال مُحاولة القوات اقتحام المبنى و استخدام ” الأنبوبة ” يُعد ( دلالة رمزية جريئة ) لانها من الداخل مَضغوطة مثل اى شخص يُعانى و لكنها ساكنه و حال اصطدامها ستنفجر و بعد عدة مواقف و احتكاكات وصلت لمُطالبة أحمد باستقالة الحُكومة ! بدأ يُفكر بنوع ما فيُقر بانه موافق على اجلاء الرهائن من المُجَمّع و كذلك يتراجع عن مَطلبه فى استقالة الحُكومة و هى ( رمزية واقعية ) حيثُ أن الكل يخرج دون خسائر و كأن وحيد حامد أراد أن يقول ان المَعارك مع الحُكومة فى الغالب لا تنتهى بانتصار المواطن بقدر ما تنتهى بانتصاراً الشو الاعلامى الذى تُحققه الحُكومة بواسطة جهازها الصحفى و آلتها الإعلامية أيضاً …
و نأتى لمشهد النهاية الذى مِن وجهة نظرى كانت فيه رسالة واضحة جداً مِن الشعب للنظام و رسالة أيضاً من النظام للشعب فالأولى حيثُ احمد الإرهابى المُحتجز للرهائن ( فى نظر الدولة ) يخرُج مع جُموع المواطنين مُنصهراً بينهم بعدما أحبوه لانه طيب و لانه استطاع أن يظهر بصورة المُتحدى للحُكومة و حين يستفسر منه صحفى عن شكل هذا الإرهابى المعتوه فيُجبُه ( فى الحقيقة هو لا طويل و لاقصير و لا تخين و لا رُفيع و لا أبيض و لا أسود .. زينا كدة ) و هى ( دلالة ضمنية ) بأنه ليس إرهابى بل مواطن عادى مطحون مهما حاول النِظام أن يُثبت عكس ذلك بإلصاق أو تلفيق ! تُهمة الإرهاب له …
أما الرسالة الثانية ( مِن النظام للشعب ) سنُلاحظها حين تنتهى أحداث الفيلم بعودة الوضع كما كان عليه حيثُ العَسكرى المَقهور مِن رئيسه يعمل على تنظيف المَكتب و ماسح الأحذية يعمل بابتسامة عريضة و كذلك الموظفين عادوا لطبيعتهم و لاشئ يتغير فى المَشهد و مضمونها ” افعلوا ما يحلوا لكم فمهما فعلتم سيعود الحال كما كان ” و لكنها رسالة خاطئة تماماً يتوهمها كُل نظام دكتاتورى فاسد لأنها رُبما تُفيد لبعض الوقت لا كُله و ثورة يناير 2011 كانت أبلغ دليل على ذلك مهما حاول أحدٌ مِن المّحكومين أو مِن الحُكام أيضاً أن ينكروا عَظَمتها بتسفيهها أو بنعتها بالمؤامرة أو النكسة أو بأنها كانت سبباً فى خراب الدولة و تدمير الوطن ! أو بأن كُل المشاكل التى نُعانى منها الآن و التى سنُعانى منها مُستقبلاً أيضاً بسببها ! فسَيَظلُ المواطن المَطحون و المَغلوب على أمره مُجرد انبوبة قد تنفجر فى أى وقت مهما طال الأمد و الأيامُ بيننا و إنا هُنا لمُنتظرون .
يا ربي … سلمت يمينك يا أستاذنا
أنا بجد وبلا مجاملة استمتعت بالتحليل، وشرح دلالات المشاهد مثل الجراحين، واستقراء الرسائل.