أشرف الريس يكتُب عن: ذكرى ميلاد زوزو حمدى الحكيم

هى ” عاشِقةُ الفن ” و ” مَلِكةُ أدوارِ الشَر ‘‘ و ‘‘ سَكينةُ السينما المِصرية ” و ” ساحِرةُ صاحبِ الأطلال ” الفنانة الكَبيرة و القَديرة زوزو حَمدى الحكيم تلك المُمّثِلة الرائِعة التى تُعد واحِدة مِن جيل العَمالقة فى عالمِ الفن الجَميل و أول فنانةٍ مِصرية تّلتَحِقَ بِمّعَهد التمثيل فى وقتٍ لم تَكُن فيه التَقاليد المِصرية و العَربية تَقَبلُ عَمَلَ الفتاةِ بالفنِ لتّتّخَصَصَ بعد ذلك فى أداءِ أدوارٍ المَرأة القوية صاحِبة الإرادة و الشَكيمة بعدما كان لِقوة صَوتها وحِدة مِلامحها العامِل الكبير فى رّوعةِ أعمالِها و لكنها بالرغم مِما سَبق فكانت أيضّاً هى الفتاة الجَميلة الحالِمة التى اسْتّطاعَتْ أن تَسْحِر شاعر الأطلالِ إبراهيم ناجى بجمالها الهادئ و أن تّحْفُرَ فى قَلبِه جُرحاً غائِراً حَتى خَرَجَتْ مِنه أحاسيسُه العَفوية بِقصيدته الشّهيرة ‘‘ الاطلال ‘‘ التى شَدَتْ بها كَوكب الشَرق قائلة “ يافؤادى لا تَسل أين الهوى كان صرحّاً مِن خيالٍ فهوى و الحقُ يُقال أن زوزو كانت مِن الجيل الذى ساهَمَ فى بِناء المّسْرح مع مّجموعة مِن نُجوم الزَمنِ الجَميل أمثال ‘‘ فاطمة رُشدى ‘‘ و ‘‘ زكى طليمات ‘‘ و نَجَحَتْ أن تُضحى بطلة نِسائية قديرة فى وفتٍ كانت البُطولاتُ النِسائية مَحْصورة على مَجموعة صَغيرة مِن الفناناتِ الشَوام مِثل ‘‘ مَلكة سرور ‘‘ و ‘‘ هيلانة بيطار ‘‘ و ‘‘ مَريم سماط ‘‘ و ‘‘ ميليا ديان ‘‘ و ‘‘ ألمظ أستاتى ‘‘ و ‘‘ فاطمة اليوسف ‘‘ و ‘‘ بديعة مصابنى ‘‘ و ‘‘ مارى مُنيب ‘‘ و ‘‘ ثُريا فخرى ‘‘ أو على مَجموعة من المِصريات اليَهوديات مِثل ‘‘ أديل ليفى ‘‘ و ‘‘ صالحة قاصين ‘‘ و ‘‘ استَر شطّاح ‘‘ و ‘‘ نظلة مزراحى ‘‘ و ‘‘ سرينا إبراهيم ‘‘ .. و لدت زوزو فى 8 / 11 / 1912م فى قرية سِنتريس بمُحافظة المُنوفية لاُسرة تََعودُ جُذورها لِمَركز أبو تيج بمُحافَظة أسيوط و أصْرَ والدُها على تَعليمها حتى قارَبتْ مِن الحُصولِ على شهادة البكالوريا و نظراً لجَمالها الهادئ فبدأت تَخْطفُ الأنظار ليقوم والدها بزواجها و هى مازالت فى السادِسَةِ عَشر مِن عُمرها و كان شَرْطَهُ الوحيد هو ضَرورة تّكملة تَعليمها إلا أن زَوجها نَكَثَ عَهدِه معه و مع زوزو أيضّاً ما جَعَلَهت تَهرب مِن مَنزل الزوجية لتّستقرِ عند خالها بالقاهرة و ذات يوم قرأت إعلاناً بجريدة “ الأهرام” عن إنْشاء مّعهدٍ للتّمثيل لتُقّدِمَ فيه و تُفاجأ أن كُل المُتّقدمين مِن الذُكور ! و لكن ذلك لم يَشغل بالها فاجْتَهَدّتْ لتّجتاز إختبارات التّقديم و تُصبح أول إمرأة تَدرس بالمّعهد ثُم لحِقِها بعد ذلكَ فى الدُفعّة التاليّة الفنانّة ” رّوحيّة خالد ” و ” نَعيمَة الشال ” و يُذكر أن زوزو دَخَلَتْ الفن فى وقتٍ لم يكُن يُسْمَحُ فيه للبنات بالتّعليم أو العَمل لكن إيمان عائِلتها بأهمية التّعليم و الثَقافة كان دافعها الأول لأن تَكون أول فتاة مِصريّة تّقتحم مجال الفن المَحظور آنذاك لتّتّفوقَ على كُلِ طلبة المّعهد فى نهايّة السَنة الأولى لكِن فرحتها لم تَدُمْ طويلاً بعدما لم ينتَقِلَ أحدُ الى الصّفِ الثانى بِسَبَبِ اغلاقِ المّعهد بعد أن أصدر وزير المَعارِف العُموميّة آنذاك ” حلمى عيسى ” عام 1931م قرارَه باغلاقِه لأنه يُخالف التّقاليد و العُرف السائِد فى نُظمِ التّعليم ! و لم تيأس زوزو و قَرّرّتْ أن تُمارِس الفن بعد أن عَرَضَ عليها المُخرج ” عزيز عيد ” أن تكون بَطلةً فرقتِه عَقِبَ انفصالِِهِ عَن زَوجته الفنانّة ” فاطمة رُشدى ” لكن والدة زوزو رَفَضَتْ أن تَعملَ ابنتها “ مِشخصاتيّة ” ! و لكن زوزو أصّرت على احترافِ التّمثيل و بعد عِدة بُروفات مَع عَزيز عيد لم يَستَطِع اسْتِكمالِ العَرض بِسبب ضائِقَةٍ مالية ! فاتجهت زوزو للفِرقّةِ القَوميّة التى كان يرأسها ” خَليل مطران ” و التى تعَرّفتْ مِن خِلالها على العَديدِ مِن صُناع الفَنِ إلى أن تَعّدّدَتْ عِلاقاتها و أصْبحت ثقافتها و إلمامَها بالكثيرِ مِن فُروعِ الأدب عاملِاً هامّاً فى تّرشيحها للعَديدِ مِن الأنشطة و لكنها تَرَكَتْ الفِرقّة بَعدَ أن فَتَحَ لها القَدَرَ بابّاً واسعّاً حين انْضّمَتْ لِفرقة ‘‘ نجيب الريحانى ‘‘ عام 1934م بعد أن طلبها الأخير و رَسَمَ لها دورّاً كبيرّاً عِندما أراد تّقديم مّسرحيته الشّهيرة ” الدنيا لما تِضحك ” و رَغْمَ نَجاحها فى دورها هذا فانها لم تّستمِر أكثر مِن عامٍ واحد بِسَبَبِ عدم استِجابَة الريحانى لطلباتها العَدِيدة لرفعِ أجرها و بعد ذلك عُرضَ عليها الانضِمام الى “جَمعية أنصارِ التّمثيل” فسَعَدَتْ زوزو كثيرّاً خاصة أن هذه الفِرقة كانت تَعملَ للمَسرح بِحُبٍ و اخلاصٍ شَديدين و شاركّتْ معها فى مّسرحياتٍ عَديدة كان أبرزها ” اليَتيمة “و ” شارع البّهلوانات “و ” الملك لير ” و ” النِسر الصَغير ” كما كانت لزوزو مُساهماتَها فى عِدة فِرقٍ أخرى مثّلت معها أدوارّاً مُهمة مثل ” السِتات مايعرفوش يكدبوا ” و ” عَفريت مراتى ” و غيرها و قد ساعَدتها ثقافتها المُتنوعة على أداء الأعمال المسرحية العالمية و الشعرية باجادّةٍ تامّةٍ و امْتازت فى أدوارها الدِرامية بالأداءِ العالى و تَقّمُص الشّخصيّة بلا مُبالغاتٍ فى التّمثيل و الحَقُ يُقال أن زوزو قد تمّيزت فى هذه الجُزئية عَن كثيرٍ مِن زميلاتها الرَائدات و حتى مِن جئنَ بَعدها و قد كان لنَجاحها فى المّسرح صّداه فأقبلت عليها السينما لتَكونَ واحِدة مِن نّجماتِها و كان أول مُخرج يَستَعين بها الفنان الكبير ” يوسف وهبى ” حينما رّشحها هى و زميلتها فى مّعهد التّمثيل ” روحية خالد ” لتُشاركاه بُطولة ” فيلم الدِفاع ” عام 1935م مع الفنانة ‘‘ أمينة رزق ‘‘ و ‘‘ حسين رياض ‘‘ و ‘‘ أنور وجدى ‘‘ و حَقّقَ الفيلم نَجاحّاً ساحِقّاً ما جَعلَ العَديد مِن المُخرجين يّنتبهون لموهبة زوزو لتّعَدُدْ أعمال زوزو الجَميلة فى عِدة أعمالٍ كان على رأسِها رائِعة صَلاح أبو سيف ” ريا سكنية ” و الام الصابرة فى فيلم ” المومياء ” للعَبقرى شادى عبد السلام كما لَعِبَتْ بُطولة رائِعة القَدير صلاح أبو سيف ريا و سكينّة فى شبابِها و لَعِبَتْ دور الأم فى رائِعة شادى عَبد السلام فى ” المومياء ” و هو الفيلم الذى ما يزال مُتَصّدِرّاً قائمة السينما المِصريّة حتى يومِنا هَذا ! و الذى قَدّمَتْ فيه زوزو نُموذجّاً صارِخّاً للأم الصَعيدية الصارِمة و ذلك علاوة على أعمالِها الأخرى مِثل ” رقيب لاينام ” و إسلاماة ” و ” ليلى بنت الفقراء ” و ” بيت الطالبات ” و ” إسكندرية لية ” و ” جوز الأربعة ” و ” الرِجال لا يَتَزّوجون الجَميلات ” و كذلك أعمالهَا على الشاشةِ الصَغيرة التى تُعد أبْرَزَ ماقدّمته فيها ” بيار الملح ” و ” سُنبل بعد المليون ” و ” ألف ليلة و ليلة ” و ” مُذكّرات زوج ” و ” محمد رسول الله ” و ” أفواة و آرانب ” و ” موعد مع السعادة ” كما قامت بدور المّلِكه ” إمبِهار يار ” فى فوازير ألف ليلة و ليلة ” عَروس البُحور ” مَع النّجمة شريهان عام 1985م و يُذكر أن ساهمت فى الإذاعة بِعِدة أعْمالٍ ناجِحة و مُتَمّيزة فى حياتها كان أشْهرها دورها فى مُسّلسَل ” العَسل المُر ” و كى لا ننسى فقد سافرت زوزو فى أوائل فترة الستينيات مِن القرن العِشرين إلى دولة الكويت لتَظّل  بها فترة 4 أعوام ساهمت خلالها فى تأسيسِ المّسرح الوطنى الكويتى .. يُذكر كذلك أن تزوجَت زوزو سِرّاً ! مِن الكاتِبِ الصَحفى ‘‘ مُحمد التابعى ‘‘ الا أن زيجتهُما لم تّسْتَمِر سوى شّهرٍ واحدٍ لأنه كان يُريد مُكايَدة ! زوجَته آنذاك الصَحفية الشَهيرة ” روز اليوسف ” ! و قد نَصَحَها العديدِ مِن زُملائها فى الوَسَطَ الفنى بِعَدَمِ إتمامِ تِلك الزيجة لتّأكدهم مِن تِلك المُكايَدّةُ لكنها لم تّقتنِع حتى تَيَقّنت بعد ذلك مِن صِدْقِ توّقعاتِهِم ثُم تَزّوَجت زوزو بعد ذلك مِن موظفٍ كبيرٍ يُذعى ” حسين عَسكر ” و هو رجلٌ ينتمى إلى عائلة كَبيرةٍ ذاتَ جاهٍ و مال بعد أن أحبَتُه و تَعّلقتْ به و هامَتْ بِصفاتِهِ و خِصالِهِ الجَميلة و فّكَرَتْ أن تّعتّزِلَ لتَتّفَرَغَ له هو و ابنتهُما الوحيدة الا أنه رَحَلَ قبلَ أن تّتَخِذَ قرار الاعتزال و فى ” عَسكر ” تقول زوزو الحكيم “ لم يكُن يغار مِن حُب ناجى لى عندما كان يَقرأ قصائِده التى أرسلها لى لأنه كان واسع الاُفق شَديد الثِقة بِنّفسِه ” ! .. يُذكر أخيرّاً أن ابتعدّت زوزو تمامّاً و بالتّحديد فى عام 1990م عَن الاضواء و قرَرّت التّفرُغ لابنتها الوَحيدة و ظلّت على هذا المنوال إلى أن اُصيبّت بمَرَضِ الشلّلِ بشكلٍ مُفاجئ عام 1989م ما جَعلها تُلازم مَنزلها لأكثر مِن 14 عامّاً إلى أن فارقت الحياة فى 18 / 5 / 2003م إثر تدّهور حالتها الصِحية عَن عُمرٍ يناهز الـ 91 عامّاً تاركة خَلفها مُشوارّاً و تُراثّاً فَنيّاً طويلاً و أعمالاً خالِدة حَتى يوم يُبعثون .. رحم اللهُ عاشقة الفنِ زوزو حمدى الحَكيم و تَجاوَزَ عن سيئاتِها و أسْكنَها فسيح جنّاتِهِ .

شاهد أيضاً

بينالي الفنون الإسلامية 2023 ينفرد بعرض مخطوطات قرآنية عمرها يزيد على 1400 عام

  ينفرد معرض بينالي الفنون الإسلامية 2023، الذي تقيمه مؤسسة بينالي الدرعية، تحت شعار “أول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: