مقذوف في وجه ما/الأستاذ رياض ناصر نوري_سورية

[[ مقذوف في وجه ما.. ]] •••••••••••••••••••••••••
بعد أن تركتُ مهدَ الطفولةِ
صِرت أعرِفُ أنَّ الأقدامَ
تستخدمُ واقيًا ضدَّ أشواكِ الطريقْ
وزجاجِ نوافذِ البيوتِ المدمرةْ
يسمونَهُ الحذاءْ ..

أخطِئُ كلَ يومٍ في انتعالِ حذائِيَ
لحظةَ أغادرُ
عتبةَ المنزلِ نحوَ ملجأٍ قريبْ
عندما أسمعُ هديرَ طائرةٍ أو دويّ الانفجارْ
أضعُ قدمي اليُسرى
في الحذاءِ الأيمنِ
وقدمي اليمنى في الحذاءِ الأيسرِ
وأركضْ ..

هناك أحذيةٌ للصيفِ
وأخرى للشتاءْ
أحذيةٌ للخريف الذي أطالَ المكوثْ
وأبانتْ على ترابِ الطريقِ
حجمَ القلوبِ التي عبرتْه
دونَ إيابْ
وأخرى للربيعِ الذي لم يأتِ ..
وطالَ الانتظارْ ..
أحذيةٌ تمنعُ السقوطَ من القِمًّةِ
وأخرى للصعودْ دونما عناءْ
والتي يدلُّ لونُها
على عددِ تلافيفِ مخِّ من ينتعلُها ..

هناك أحذيةٌ ممزقةٌ
كالتي ينتعلُها بنّاءُ البيوتِ المنهارةِ
والطفلُ العتَّالْ في نهارٍ باردْ
والمتسولُ في زاويةِ بابِ المسجدِ
وأخرى لمَّاعةٌ فاخرةُ الجلدِ ..
كحذاءِ مسؤولِ
مراقبةِ استدارةِ الرغيفْ ..
والذي أجزمُ أنهُ لايخطئُ
في انتعالِ حذائِه مثلي ..
بل ثمةَ من ينحني عند قدميهْ
ليضعهمَا في الحذاءْ ..

هناك فرقٌ لم أستطعْ تحديدُه
بين حذاءٍ من البلاستيكِ
المعادِ تدويرُه اكثرَ من مرةٍ
كالذي تنتعلُه القروياتُ في الحقولْ
وحذاءٍ من جلدِ التماسيحْ
كحذاءِ الملكِ
حينَ يقررُ أنْ يمشيَ
بين الرعيةِ ليسألَ
عن حالِهم وأحوالِهم
قبلَ موتِه بساعاتْ.
هناك تشابهٌ عجيبْ
بينَ الحذاءِ الأبيضِ الخفيفْ
الذي تنتعلُه وتعقمُه الممرضةْ
كلما عبرتْ مسرعةً أروقةَ المشفى
المكتظِّ بمرضَى الصَّرعِ وسوءِ التغذيهْ
وبينَ الحذاءِ الأسودِ لرجلِ الإطفاءِ
الذي وصلَ توًّا
غابةَ الزيتونِ المحترقهْ ..

ثمةَ أحذيةٌ دخلتْ
تاريخَ الزيفِ من أعرضِ أبوابهْ ..
وأخرى تنتظرُ عندَ البابْ
أنْ تُقْذَفَ بالوجوهِ المثلثةِ الشكلِ
حيثُ تكاثرَ نسلُها هذا الزمانْ
نتيجةَ طفرةٍ تاريخيةٍ فاسدهْ
قد يكونُ حذائِي واحدًا منها ..
ولربما حذاؤك أنت َ
نعم أنتْ ..
يا منْ يقرأُ الآنَ
هذا النشيدَ الغريبْ !
°° °° °°
~ رياض ناصر نوري ~
سورية — ٠ ٣- ١١- ٢٠٢٢

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: